خلال نصف الشهر الأخير من ديسمبر 2012 جاء تراجع الجنيه المصري أمام الدولار.. واستمر ذلك التراجع أو التقهقر خلال شهر (15/12/2012 15/1/2013) حتي فقد الجنيه المصري أكثر من (10% 11%) من قيمته أمام الدولار. ولا يزال يواصل الانخفاض.. ولم نجد من الحكومة أو البنك المركزي المصري أي تدخل للحفاظ علي سعر العملة الوطنية وسادت الشائعات في الشارع المصري بأن الحكومة في طريقها إلي تعويم الجنيه المصري ولذلك لا تتدخل الحكومة لوقف هذا النزيف المستمر لتدهور الجنيه المصري، ونري أن أسباب تراجع الجنيه أمام الدولار تنحصر في الآتي: 1 الشائعات التي سادت في الشارع المصري منذ بداية شهر ديسمبر 2012 بأن مصر مقبلة علي الإفلاس أو أن علي حافة الإفلاس. 2 زيادة الواردات المصرية خلال نصف العام الماضي، أي منذ 1/7/2012 31/12/2012 بنسبة تزيد علي 12% عن ذات المدة من العام الماضي حيث بلغت الواردات المصرية خلال 2011 2012 حوالي 60 مليار دولار أي ما يقارب حوالي 365 مليار جنيه مصري بينما انخفضت الصادرات لتصل إلي 22 مليار دولار بما يعادل حوالي 133 مليار جنيه خلال المدة نفسها. 3 قيام معظم المستثمرين العرب والأجانب، خاصة المستثمرين في البورصة بالخروج باستثماراتهم من السوق المصري حيث خرج خلال عام 2011 2012 ما يقارب ال 14 مليار دولار عبارة عن أرباح للأجانب بالإضافة إلي تصفية الاستثمارات داخل مصر. 4 قيام معظم رجال النظام السابق والمستثمرين المصريين بتقليص استثماراتهم والخروج بها من مصر في شكل (دولارات) سواء عن الطريق المصرفي أو الطريق السري. 5 الهجمة الشرسة من معظم (رجال البلطجة السياسية) من جميع الاتجاهات داخل مصر لشراء الأسلحة المهربة سواء من ليبيا أو من دول الجوار، وكل ذلك بالعملة الصعبة الدولار. 6 قام معظم رجال المخدرات والعصابات باستغلال الانفلات الأمني والاقتصادي خلال العامين الماضيين لشراء كبري شحنات المخدرات ودخولها البلاد وذلك لا يتم إلا بسداد الدولار ثمنا لهذه الشحنات. 7 تحويل معظم المستثمرين العرب والأجانب أرباحهم الاحتكارية في مجالات الأسمنت والأسمدة إلي الخارج في صورة دولارات. 8 انخفاض الإنتاج المصري وإغلاق ما لا يقل عن (3602 مصنع) خلال عام 2012 مما كان له تأثير سلبي علي الإنتاج وتم تعويض ذلك بالاستيراد من الخارج؛ لذلك نجد أن كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلي زيادة الطلب علي الدولار ليصل سعره إلي 0،7_ أو أكثر هذا تعني ببساطة زيادة قيمة فاتورة الواردات بذات النسبة، اي أن واردات مصر التي تبلغ حوالي 60 مليار دولار بما يعادل حوالي (360 مليار جنيه مصري) نجد أن الفاتورة زادت لتصل إلي حوالي 400 مليار جنيه مصري ومن تأثير ذلك زيادة جميع أسعار السلع والخدمات داخل مصر بما لا يقل عن 20% من قيمة هذه السلع وليس بنسبة 10 12% وهذا يرجع إلي: 1 استغلال حالة الانفلات الأمني والاقتصادي. 2 عدم وجود رقابة علي الأسواق. 3 عدم تطبيق القانون علي الخارجين خاصة في مجالات شراء الأسلحة والمخدرات. 4 عدم وجود قوانين صارمة تحد من ظاهرة تهريب الأموال إلي الخارج سواء من جانب رجال النظام السابق أو الحالي أو المستثمرين المصريين أو العرب أو الأجانب. 5 عدم تدخل الجهاز المصرفي لإصلاح حال معظم المصانع والشركات المتعثرة لتعود للعمل بكامل طاقتها مما يحد من ظاهرة زيادة الواردات. 6 عدم اهتمام بتبديد الضبابية التي تحدث في الشارع الاقتصادي، وهو ما يشير إليه عدم ظهور أي مسئول لمواجهة حالة التخوف ونفي هذه الشائعات عن إفلاس مصر. 7 رغبة الحكومة في تنفيذ روشتة العلاج التي اقترحها صندوق النقد الدولي وهي روشتة معروفة مبسقا ويأتي علي رأسها خفض سعر العملة وحجة الصندوق في ذلك هي: 1 أن خفض سعر العملة يغري كثيرا من السائحين للحضور إلي مصر. 2 أن خفض سعر العملة يعمل علي جذب مزيد من المستثمرين الأجانب للتواجد داخل مصر. 3 أن خفض سعر العملة يعمل علي رفع منافسة الصادرات المصرية في الأسواق الخارجية مما يحفز ويعمل علي زيادة الصادرات. ** ونحن نري أن مبررات صندوق النقد الدولي ما هي إلا حق يراد به باطل للأسباب الآتية: 1 مصر دولة غير مصدرة علي المستوي العالمي 26 مليار دولار ومعظم صادرات مصر عبارة عن مواد خام وبالتالي فإنه ينخفض سعر العملة ويتم خفض قيمة الصادرات المصرية. 2 المستثمر والسائح يأتيان إلي مصر بسبب وجود الأمن والأمان وكذلك وجود العمالة المدربة ووجود الخدمات المتميزة وعدم وجود الزحام المبرر. 3 الاستفادة من السوق المصري الكبير. 4 الاستفادة من وضع مصر الجغرافي لأنها تعد (جنوب أوروبا) و(شمال إفريقيا) وبالتالي هناك سوق كبير يبلغ قوامه حوالي (11 مليار نسمة) السوق الإفريقي ولذلك فإن حجة صندوق النقد الدولي ليست الحجة الصحيحة وليست في صالح مصر ولا في صالح الاقتصاد المصري. ** ونحن نري أنه من نتاج هذه الظروف الاقتصادية السيئة: أ تراجع الجنيه أمام الدولار. ب زيادة الواردات أمام الصادرات. ج خروج الأموال المهربة أو تحويل الأرباح للخارج سيظل التراجع للجنيه أمام الدولار مستمرا حتي يستقر علي سعر 7 جنيهات للدولار في آخر شهر فبراير الحالي مع زيادة أسعار السلع المستوردة بما لا يقل عن 20%، وسيصاحب ذلك: 1 زيادة أسعار السلع المحلية المشابهة للمستورد بذات النسبة علي الأقل. 2 زيادة قيمة القروض التي حصل عليها رجال الأعمال المصريون بذات نسبة تراجع الجنيه أمام الدولار وهذا يكبد هؤلاء خسائر كبيرة يتحملها عادة المستهلك مع زيادة احتمالات تعثر رجال الأعمال في سداد مديونياتهم للبنوك وهذا يرجعنا إلي ذات المشهد الاقتصادي خلال الأعوام (2003 2006) من تعثر رجال الأعمال نتيجة تعويم الجنيه المصري ليصل بنسبة من (3،45 إلي 7،5 جنيه) وشهد الشارع المصرفي المصري تعثر معظم رجال الأعمال كما أدي إلي إغلاق معظم المصانع والشركات. 3 ستكون الميزة الوحيدة أو الفائدة هي تلك التي ستعود علي أصحاب شركات الصرافة وذلك لأنه تم زيادة أرباحهم سواء بيع الدولار أو الاحتفاظ به تمهيدا لجني مكسب اكبر.. فإذا علمنا أن معظم أصحاب شركات الصرافة والمتاجرين بالعملة من رجال الأعمال الإخوان فسنعرف أن معظم هذه الأرباح ستعود إلي فصيل بعينه. ونحن نري أن الحل يتمثل في الآتي: 1 تدخل الجهاز المصرفي عن طريق جميع البنوك وذلك لتوريق معظم مديونيات الشركات والمصانع والفنادق والقري لتصبح مساهمة في هذه الشركات. 2 القيام بأكبر عملية تقييم لجميع أصول وخصوم الشركات والمصانع والفنادق والقري السياحية وجميع الوحدات الإنتاجية وذلك بتاريخ 31/12/2012 سواء كانت شركات (قطاع الأعمال القطاع العام الاستثماري الخاص) وذلك لمعرفة السعر السوقي لأصول هذه الشركات. 3 زيادة رأس مال هذه الشركات بعد التقييم وذلك بمعرفة الجهات المعنية خاصة هيئة الرقابة المالية وسوق المال وكل شركات التقييم المقيدة بالجدول طرف البنك المركزي المصري وذلك حرصا علي الشفافية والحيادية وذلك خلال شهر علي الأكثر من الآتي. 4 قيام الحكومة بتذليل العقبات خاصة في مجالات استخراج التراخيص والتعامل مع المحليات وذلك حتي يتم توظيف استثمارات جديدة أو علي الأقل إعادة تشغيل الاستثمارات غير المكتملة. 5 الحد من استيراد (السلع الاستهلاكية) و(الاستفزازية) التي لها مثيل محلي وذلك عن طريق تقديم طلبات إلي (منظمة التجارة العالمية) بمجموعة من السلع المحددة والتي سيتم فرض رسم إغراق عليها. وهذا موجود ضمن بنود الاتفاقية وأن يكون ذلك لمدة 6 أشهر يتم تجديدها مددا أخري حتي تصل إلي 3 سنوات وبذلك يتم خفض فاتورة الاستيراد بما لا يقل عن 25% في السنة الأولي علي الأقل. 6 صدور قرار من وزير الصناعة والتجارة بعدم تصدير أي مواد خام أو تصدير القمامة أو المخلفات الزراعية أو الصناعية تحت أي مسمي، وهذا يعمل علي: أ إضافة قيمة مضافة لهذه السلع عن طريق تشغيل هذه المواد الخام. ب توفير ما لا يقل عن (1،5 2،5 مليون) فرص عمل خلال سنة علي الأكثر. ج زيادة قيمة الصادرات من 22 مليار دولار سنويا إلي ما لا يقل عن 45 مليار دولار سنويا وبالتالي ينخفض الطلب علي الدولار وذلك بالنسبة لرجال الأعمال والمصدرين والمستوردين. د عودة الأمن وفرض هيبة الدولة علي الخارجين علي القانون وتجار السلاح وكذلك تجار المخدرات وهذا يعمل علي خفض الاستيراد من هذه الواردات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات سنويا تمثل ضغطا شديدا علي الطلب، ومن ثم علي سعر صرف الدولار. 5 صدور قرار من وزير الصناعة والتجارة يفيد بألا تزيد نسبة هامش الربح خاصة علي السلع الغذائية والصناعية والهندسية والتعدينية علي 30% وهذا يعمل علي خفض جميع الأسعار داخل مصر دون الحاجة لخفض أو تعويم قيمة الجنيه لأن جميع الأنشطة والصناعات داخل مصر تجد أن نسبة هامش الربح لا تقل عن 60% وقد تصل في بعض السلع إلي 350% كما يحدث مثلا في سلعة الأسمنت وبعض المستلزمات الطبية. وبهذه الحلول المبدئية نكون قد أوقفنا نزيف تدهور الجنيه المصري أمام الدولار ولكن علينا أولا أن نبدأ وأن يكون للقائمين علي مصر رغبة أكيدة في إيجاد حلول اقتصادية للمشكلات الاقتصادية خاصة تراجع الجنيه أمام الدولار.