لاشك أن الازمة السورية التي بدأت كنوع من التدافع الداخلي بين قوي سورية ذات رؤي متباينة تحولت مع الوقت إلي صراع إقليمي ودولي حول سوريا بين الشرق والغرب وبين العرب وإيران مع دخول البعد الطائفي علي الخط. نعم.. بات الوضع في سوريا معقدا ولا يبدو لمأساته من نهاية وسط عمليات الشحن والتصعيد والتحريض من القوي الدولية ضد النظام، وليس هناك من هو قادر علي حسم الأمور ووضع نهاية لما هو حادث منذ الخامس عشر من مارس من العام الماضي بل إن اندلاع الثورة منذ عام بات يحمل بين طياته اليوم نذر اندلاع حرب أهلية ممتدة مثلما كان عليه الوضع في لبنان لاسيما إذا استمر تدفق السلاح للمعارضة عبر تركيا والعراق ولبنان والأردن، بل ووصول المرتزقة من دول الجوار للقتال مع المعارضة وهو ما أقر به مؤخرا وزير خارجية ليبيا عندما اعترف بوجود ليبيين في سوريا بشكل غير رسمي، كما أن الاستخبارات الفرنسية أشارت إلي وصول العشرات من المغاربة إلي سوريا للقتال، ويزداد الوضع تأزما بدعوات قطر والسعودية بضرورة تسليح المعارضة وهو ما حذر منه مؤخرا "آلان جوبيه" وزير خارجية فرنسا وبني تحذيره علي أساس أن تسليح المعارضة ضد نظام "بشار" سيقود إلي نشوب حرب أهلية في سوريا، وان الشعب السوري منقسم بشكل عميق واننا إذا أعطينا أسلحة إلي فئة معينة من المعارضة في سوريا فسنكون بذلك قد نظمنا حربا أهلية بين المسيحيين والعلويين والسنة والشيعة وعندئذ سيكون الأمر بمثابة كارثة أفدح بكثير من الكارثة القائمة اليوم. لهذا كان غريبا أن نري الشيخ "حمد بن جاسم" رئيس وزراء قطر يتشبث بطرحه الداعي إلي ارسال قوات عربية ودولية لوقف ما اسماه جرائم النظام السوري. والأغرب انه حينما يدعو إلي ذلك يبرره بالحفاظ علي أرواح السوريين رغم أن ما يدعوا إليه من شأنه أن يزيد الوضع سوءا ويجر سوريا إلي ساحة حرب أهلية تدمر كل شيء وتكون لها انعكاساتها علي المنطقة، ولو أنه كان حريصا وبحق علي حياة السوريين لبادر ودعا إلي حل سياسي يبدأ بالحوار بين السلطة في سوريا وبين المعارضة وهو ما دعا إليه "لافروف" وزير الخارجية الروسي الذي بدا أكثر حرصا علي حياة السوريين من الدول العربية الشقيقة، كما أن "سعود الفيصل" وزير خارجية السعودية خرج هو الآخر يدعو إلي تسليح المعارضة، فهل غاب عنه وعن "حمد بن جاسم" أن الدعوة إلي التدخل العسكري من شأنها أن تربك الاوضاع أكثر وأكثر؟ وبذلك يتم افشال التوصل إلي حل سياسي ناجع للخروج من المأزق الراهن. من الضروري بمكان لأي عاقل أن يحذر من تسليح المعارضة لأن ذلك من شأنه إذا حدث أن يزج بالسوريين في أتون معركة لا ينتج عنها سوي الدمار، فالتدخل العسكري الخارجي يعني حربا ضد سوريا، كما أن من يدعون إلي تسليح المعارضة لا يجيبون عن أسئلة جوهرية مثل تسليح من؟ ولأي هدف؟ ويحضرني هنا ما قاله مساعد وزيرة الخارجية الامريكية "جيفري فيلتمان" عندما حذر خلال شهادته امام الكونجرس في مارس الحالي من أن تسليح المعارضة سيكون بمثابة صب الزيت علي النار، مشيرا إلي التداعيات الخطيرة والدموية التي ستنجم عن ذلك. ويظل الأمل يراود البعض حول امكانية التوصل إلي هدنة بين جميع الاطراف تضمن قدرا من التعايش المعقول في وضع يشبه إلي حد ما الحالة اللبنانية الراهنة، غير أن من يراهن علي التهدئة في المواقف يتطلع إلي انبثاق نظام ديمقراطي كامل مع اندماج جميع المواطنين باختلافاتهم الدينية والعرقية في اطار دولة القانون والمواطنة. أما مهمة "كوفي عنان" في سوريا والتي بدأت في العاشر من مارس الحالي فلقد أعادت ما سبق طرحه لحل الازمة المستعصية من ضرورة وقف كل أشكال العنف من كل الأطياف، فهذا هو الابدي والاجدي للجميع من أجل حل الاشكالات التي يجب التصدي لها واعادة الأمن والاستقرار إلي سوريا. لقد حاول نظام "بشار" سحب البساط من تحت أقدام المعارضة عندما شرع في تبني مجموعة من الاصلاحات رغم انها جاءت متأخرة كما قال "لافروف" وزير خارجية روسيا وكان يجب تبنيها قبل ذلك، أما مازاد من ضعف الصورة فهو موقف المعارضة التي تصر علي عدم تقبل الاصلاحات مما يجعلها مسئولة بشكل ما عما يحدث من تدهور في الاوضاع.. الأنكي من ذلك الانقسامات التي تعاني منها المعارضة المحسوبة علي الخارج وهو ما أسقط مصداقيتها بعد أن تعرضت للتفتيت والتشرذم وتوالي انسحاب أعضاء قياديين منها وكان آخرهم كلا من "هيثم المالح"، و"كمال اللبواني"، "كاترين التلي"، فلقد انتقد "هيثم المالح" استفراد "برهان غليون" بالرأي، أما "كمال اللبواني" فانتقد "غليون" ايضا في كونه لا يعنيه إلا التشبث بكرسي الرئاسة وانه لا يقبل بتداول السلطة ولا بالنقد. وفي نفس الوقت حمل "اللبواني" علي الاخوان متهما إياهم بمحاولة احتكار التسليح والاغاثة لتوسيع قاعدتهم الشعبية، أما "كاترين التلي" فقالت: "أرفض أن أكون شاهدة زور علي مجلس معطل بفعل شخصيات وتيارات سياسية علي حساب الدم السوري الطاهر، لهذا أعلن انسحابي من المجلس". وعلي صعيد آخر، تستضيف تركيا مؤتمر "أصدقاء سوريا" الثاني وهو امتداد للمؤتمر الذي استضافته تونس في 24 فبراير الماضي، ويبدو أن تركيا ستدعو من خلال هذا المؤتمر الذي يعقد في "اسطنبول" في الثاني من الشهر القادم إلي اقامة منطقة عازلة علي حدود سوريا مع أراضيها، ولقد استبقت عقد المؤتمر باغلاق قنصليتها في دمشق والاعلان عن امكانية سحب سفيرها بعد مغادرة كل رعاياها من سوريا. أيا كان يظل الحل الاقرب إلي الواقع يتمثل في التوصل إلي هدنة تقود إلي مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة تنتهي بتشكيل ترتيبات جديدة من أجل ترسيخ الاستقرار وتفعيل الاصلاحات التي وعد بها النظام السوري، فهذا هو أفضل ما يمكن الوصول إليه.. بل قد يكون البديل الوحيد الذي يمنع من الدخول في حرب أهلية كارثية ممتدة تعصف باستقرار المنطقة، ولكن سيظل السؤال عالقا تري من باستطاعته انجاز ذلك؟ وكيف يمكن الوصول إلي هذه التسوية/ إذا أعملت كل الاطراف ويتصدرها دول العالم العربي العقل وراهنت علي الحل السياسي والحوار فعندئذ يمكن الخروج من دائرة الاستعصاء الراهنة والتوصل إلي تسوية يتم خلالها وقف اطلاق النار من قبل الاطراف المتصارعة والدخول في حوار لمنع تفاقم الازمة وهنا يتعين علي الجميع دعم مهمة مبعوث الاممالمتحدة والجامعة العربية "كوفي عنان" الذي دعا إلي انهاء العنف ومد جسور الثقة من أجل إطلاق العملية السياسية.