أدي النزاع بين مصر وحكومة حماس في غزة إلي ظهور أزمة طاقة بالقطاع هي الأسوأ منذ سنوات وأدت الازمة لانقطاع الكهرباء عن سكان القطاع 18 ساعة يوميا، وشح الوقود الذي يشغل مولدات الكهرباء بالمستشفيات وضخ المخلفات بمياه البحر المتوسط نتيجة توقف محطات المعالجة، بينما أغلقت محطات البنزين أبوابها. وقد أدي انقطاع الكهرباء إلي تفاهم معاناة السكان الذين يشعرون بأنهم ضحوا حتي باحتياجاتهم المعيشية الاساسية من أجل السياسة، ويتركز النزاع بين حماس ومصر في ظاهره علي الوقود، لكن فيما هو أعمق من ذلك علي العلاقة بين الجانبين، ولا تريد حماس فقط من مصر تزويد القطاع بالوقود لكنها تريد منها فتح خط تجاري مباشر مع القطاع المحاصر في خطوة تستهدف تعزيز استقرار حكومة حماس بالقطاع الذي تحكمه منذ 2007 بعدما سيطرت عليه عقب إقصاء الموالين لفتح. لكن مصر ترفض ذلك في محاولة لتنأي بعض الشيء بنفسها عن غزة، كما ترفض أن تنفض إسرائيل يدها بصورة كاملة من مسئوليتها علي القطاع الفقير والمكتظ بالسكان، فإسرائيل التي انسحب جنودها من غزة عام 2005 بعد 38 سنة من الاحتلال العسكري لاتزال تتحكم في مداخل القطاع الجوية والبحرية عدا كيلومترات قليلة تشكل الحدود بين القطاع ومصر. وبعد سيطرة حماس علي القطاع فرضت كل من إسرائيل ومصر طوقا علي حدود غزة في مسعي لاقصاء الحكومة الجديدة هناك، ومنذ انهيار نظام حسني مبارك الموالي للغرب العام الماضي خففت مصر من القيود علي حركة المسافرين لكنها رفضت فتح طريق للبضائع، في الوقت نفسه غضت الطرف عن تهريب الوقود والمواد الاخري من خلال الأنفاق علي الحدود مع غزة. وتعود أزمة الوقود الحالية إلي قرار حماس قبل أكثر من عام استخدام الوقود المهرب في تشغيل محطة غزة الوحيدة للكهرباء بدلا من دفع فواتير إمدادات الطاقة من إسرائيل، وتزود المحطة قطاع غزة بنحو 60% من احتياجات الطاقة. وقبل عدة أسابيع بدأ شح إمدادات الوقود المهرب من الانفاق بسبب نقص في مصر ذاتها كما شعرت القاهرة بعدم الراحة ازاء فرض حماس لرسوم علي الوقود الذي هو بالأصل مدعوم من الحكومة المصرية ومخصص للمصريين. وأغلقت المحطة يوم 10 فبراير الماضي، بينما هبطت مخزونات الوقود بالقطاع وأغلقت محطات البترول بمدينة غزة قبل عدة أيام. وقال تجار إنه لم يصل إلي غزة منذ أيام أي إمدادات وقود مهربة، ونتيجة لذلك هبطت إمدادات الوقود التي تشغل مولدات الكهرباء بالمستشفيات إلي مستويات خطيرة لتهدد مئات من المرضي كانوا يعتمدون علي الطاقة الكهربائية بمن في ذلك أطفال بالحضانات ومرضي كلي يحتاجون للغسل الكلوي وآخرون في وحدات العناية المركزية. وقد تم وقف نصف عدد سيارات الاسعاف التي تخدم مستشفي الشفاء أكبر مستشفي بقطاع غزة عن العمل، أما معظم السيارات الاخري بالقطاع فقد توقفت أيضا عن العمل، بينما تتزاحم الناس علي سيارات الاجرة. وأمر الحكومة بغزة نحو 1800 موظف حكومي لديهم سيارات حكومية بمساعدة الناس في التنقل، وقد بدأ أصحاب السيارات التي تعمل بالديزل بصب زيت الطبخ بخزانات وقودها. من ناحية أخري، انخفضت إمدادات المياه بصورة كبيرة بسبب عدم وجود ما يكفي من الوقود لضخ المياه الجوفية إلي السطح، وبدأ ضخ مخلفات الصرف الصحي بمياه البحر المتوسط بسبب عدم وجود وقود لتشغيل مضخات معالجة مياه الصرف. وقال أمجد الشوا الذي يرأس شبكة من مجموعات المجتمع المدني: "إننا سنري كارثة حقيقية خلال 48 ساعة فيما يتعلق بالصحة والمياه والنقل". كما تعود أصول مشكلة الوقود إلي بداية إغلاق المعابر إلي غزة من الجانبين المصري والاسرائيلي. وفي البداية كان الاتحاد الاوروبي يشتري الوقود الذي تحتاج إليه محطة كهرباء غزة من إسرائيل من خلال المعابر، وطلب الاتحاد لاحقا من حكومة محمود عباس أن تدفع مقابل الوقود وأن تستعيد تلك المستحقات من حماس. وبعد مواجهة مع حماس بدأت الاخيرة في دفع فاتورة الوقود من إسرائيل قبل المقامرة باللجوء إلي الخيار الأرخص وهو الوقود المهرب من مصر. والآن تريد حماس من مصر تزويد غزة بصورة علنية بالوقود من خلال معبر رفح لتمثل سابقة بفتح خط تجاري بين الجانبين، وتوافق مصر علي إيصال الوقود لكنها تصر علي تسليمه من خلال معبر كرم أبوسالم طبقا لما أفاد به دبلوماسي مصري رفض الافصاح عن هويته بسبب حساسية المسألة وتري مصر أن إسرائيل، وليست هي، التي يجب أن تتحمل مسئولية قطاع غزة. وقال المسئول: "إننا إذا قبلنا ما تريده حماس فإن ذلك يعني إعفاء إسرائيل من هذه المسئولية". لكن حماس، في الجانب الآخر، تري أن تزويد الوقود المصري لغزة عن طريق كرم أبوسالم يعطي إسرائيل السيطرة الكاملة علي تلك الامدادات.