* بعد التصريحات النارية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان والتي يهاجم فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" بقوله إن استقالة الرئيس عباس ستكون نعمة لأنه يمثل أكبر عقبة أمام السلام، تظهر بوضوح الطريقة التي اعتمدتها إسرائيل طوال السنوات الماضية، فقد كشف ليبرمان أوراق الحكومة اليمينية في إسرائيل التي تعاملت طول الوقت مع عباس علي أنه العدو الأكبر للسياسة الإسرائيلية، وهو بمثابة اعتراف بالسياسة الإسرائيلية الرسمية في عدائها الواضح تجاه "أبو مازن" خصوصا في هذا الوقت تحديدا الذي تتعرض فيه حكومة نتنياهو لانتقادات واسعة بسبب صفقة الجندي "جلعاد شاليط" ويصرح كثير من السياسيين والإعلاميين في إسرائيل بأن هذه الحكومة تعمل بشكل منهجي لضرب السلطة الفلسطينية وتقوية حركة حماس علي حسابها، فلم يعد سراً في إسرائيل أن هناك كثيرين يعتبرون حماس أفضل وأسهل من "أبو مازن" خصوصاً بعد صفقة شاليط. لقد كان هدف حكومة نتنياهو ليبرمان من صفقة شاليط هو اطلاق رصاصة الموت السياسي علي الرئيس الفلسطيني انتقاماً منه لتوجهه إلي مجلس الأمن الدولي لنيل الاعتراف بفلسطين عضوا كامل العضوية في الأممالمتحدة، وذلك مخالف لرغبة إسرائيل والولايات المتحدة. وإذا كان الوضع كذلك علي المستوي الرسمي في إسرائيل، فإن مطالبة السلطة الفلسطينية الأخيرة لإسرائيل بتطبيق اتفاق سابق بالإفراج عن نحو 1000 أسير فلسطيني كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بعد تنفيذ صفقة التبادل مع حماس هو من المستحيل. إصرار السلطة علي تنفيذ التزاماتها يبدو مشروعاً، لكن ذلك يتم مع دولة غير إسرائيل والكل يعلم أن إسرائيل الدولة الأكثر نكوثاً لعهودها فلم تلتزم بعهد ولم تنفذ وعد علي مدار سنوات احتلالها إلا فيما ندر وفق ما تقتضيه مصالحها. قدورة فارس رئيس نادي الأسير الفلسطيني يعلم دهاليز اللعبة لذلك فهو لا يعول كثيراً علي هذا المطلب، بل يستبعد تماماً استجابة إسرائيل للطلب الفلسطيني، فلا يمكن تسوية الأمر إلا بعد إنهاء الاشتباك الحالي، أما الآن فهذا مستحيل، ومن هنا لا يمكن بيع الأوهام لعائلات الأسري في ظل الظروف الراهنة التي تشهد اشتباكات خفية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. كان "أبو مازن" قد اتفق فيما مضي مع إيهود أولمرت في الاجتماعات الأخيرة التي ضمتهما قبل أن يستقيل أولمرت بسبب تهم الفساد في سبتمبر ،2008 علي إطلاق سراح أسري بنفس العدد والمعايير التي ستتبع في صفقة شاليط في حال تمت الصفقة، والآن بعد إتمام الصفقة تطلب السلطة تنفيذ الاتفاق، غير أن هذا المطلب لا يبدو سهلا أو يمكن التجاوب معه والالتزام به بالذات من حكومة نتنياهو التي أظهرت كرهاً واضحاً للرئيس "أبو مازن" وناصبته العداء منذ توجهه إلي الأممالمتحدة طالبا الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لقد تعهد أولمرت للرئيس "أبو مازن" كما أقرت به وزيرة خارجيته آنذاك تسيبي ليفني بإطلاق سراح 550 أسيراً في ذلك الوقت وذلك بهدف منع تعزيز قوة حركة حماس علي حساب السلطة الفلسطينية، ولم يتم تحديد عدد الأسري بالشكل النهائي ولم يتم تحديد معايير، إلا أن أولمرت وافق علي أن يكون العدد مماثلا لعدد الأسري الذين يتم إطلاقهم في صفقة التبادل مع حماس وبنفس المعايير وربما أفضل. ثمة ضغط دولي وإسرائيلي داخلي علي الحكومة الإسرائيلية هذه الأيام من أجل الإفراج عن أسري لصالح السلطة، وفي إسرائيل أوصي الجيش الإسرائيلي رئيس حكومته بضرورة الإفراج عن أسري من حركة فتح دعما للرئيس الفلسطيني كبادرة حسن نية، ومن شأن إطلاق سراح هؤلاء الأسري مكافأة السلطة ورئيسها. الملاحظ هنا أن المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية تختلف مع الحكومة في توجهها إزاء السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس "أبو مازن" فهي تعلم أن نتنياهو يريد مواصلة سياسة العقاب ضد "أبو مازن" ورفاقه في السلطة الفلسطينية، ونتنياهو لا يكتفي بصفقة شاليط لهذا الغرض ويريد توجيه ضربات أخري له في حين أن الجيش يطلب تقديم تعويضات لأبو مازن وهنا تكمن المفارقة ومن هذه التعويضات إطلاق سراح مجموعة من الأسري الذين يطلبهم أبو مازن وتقديم مساحات جديدة من الأراضي في الضفة بنقلها من سيطرة الجيش إلي سيطرة السلطة الفلسطينية، وإزالة المزيد من الحواجز العسكرية والترابية وإلغاء الإجراءات الاقتصادية وينضم المزيد من الشخصيات السياسية إلي الجيش في مسعاه لتعويض الرئيس عباس وتحذر هذه الشخصيات من خطورة تصريحات لوزير الخارجية ليبرمان التي هاجم فيها الرئيس عباس، فالجمود في عملية السلام والهجوم علي أبو مازن يهدد بانهيار السلطة الفلسطينية وهذا يلحق أضرارا جسيمة بمصالح إسرائيل.