أرجو ألا يفعل الإعلام مع فلوس المساعدات الخارجية مثلما فعل مع مليارات الفساد.. أى يتحدث عن أرقام كبيرة وضخمة دون شرح سواء لموعد الحصول عليها أو شروطها أو توزيعها. وحتى الآن سمعنا وقرأنا عن مليارين من الدولارات أعلن أوباما عن تقديمها لمصر وأربعة مليارات دولار أعلنت المملكة العربية السعودية عن مساعدة الاقتصاد المصرى بها.. أى أن الإجمالى بلغ ستة مليارات دولار، ونترقب فى ذات الوقت مساعدات وإسهامات مجموعة الدول الثمانى، والاتحاد الأوروبى، وعدد آخر من الدول العربية، ناهيك بالطبع عن كل من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، والذى أعلن وزير المالية عن طلبنا منهما أكثر من ستة مليارات دولار أخرى. وهكذا.. يبدو الأمر لمن لايعرفون التفاصيل أن السماء سوف تمطرنا أموالا غزيرة خلال الفترة القادمة.. وبالتالى لن يكون فى وسع الحكومة تأجيل الاستجابة للطلبات الفئوية العديدة والتى سبق وأن وصفتها بالمشروعة.. وقبل ذلك عليها أن تكف عن حديث انخفاض الموارد وتآكل احتياطيات النقد الأجنبى وزيادة العجز فى الموازنة.. منها هى المليارات تتدفق عليها من كل جهة وصوب. لكن مسئولية الإعلام هنا أن يشرح للناس حقيقة هذه المساعدات وكيف أنها لن تتاح كلها للحكومة كأموال سائلة وفوق ذلك لن تتاح كلها فورا! وبالنسبة للمساعدات الأمريكية فإن نصف هذه المساعدات يتمثل فى إسقاط قيمتها من الديون الأمريكية على مصر.. والنتيجة المباشرة أن مصر سوف تعفى من الفوائد التى كانت تدفعه عليها "نحو مليار دولار".. أما النصف الآخر من المساعدات فإنه يتمثل فى قروض سوف تحصل عليها مصر بضمانات من الحكومة الأمريكية.. وحتى الآن لم نعرف شروط هذه القروض "سعر الفائدة وفترة السماح والأقساط". والأكثر من ذلك فإن كل المساعدات، سواء الديون المشطوبة أو ضمانات القروض سوف يحتاج اقرارها من الكونجرس وقتا ليس قصيرا، طبقا لما قالته السفيرة سكوبى التى توقعت ألا يتم ذلك قبل العام القادم..وهنا تستثنى منه العاجلة لهذه المساعدات الأمريكية أما المساعدات السعودية فإننا لن نحصل عليها فى شكل أموال سائلة كلها.. وإنما هى موزعة طبقا للأغراض المحددة من قبل المملكة السعودية.. فمنها نحو 700 مليون منحة لا ترد، 500 مليون دولار للمساعدة فى تغطية عجز الموازنة، والباقى لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. ومنها أيضا 2300 مليون دولار قروضا بعضها ميسر "500 مليون دولار، وبعضها لشراء سندات الخزانة المصرية بأسعار فائدتها السارية.. و500 مليون دولار" والباقى "750 مليون دولار" كخط ائتمان لتمويل الصادرات السعودية تحديدا إلى مصر.. ويتبقى بعد ذلك نحو مليار دولار ستقدمها المملكة فى شكل وديعة للبنك المركزى المصرى وفقا لترتيبات سيتم الاتفاق عليها وأهم هذه الترتيبات سيكون موعد انتهاء أو سحب هذه الوديعة بالطبع. وهكذا.. ما أعلن من مساعدات أمريكية وسعودية حتى الآن لمصر لن يغرق الحكومة بالأموال فجأة أو بملئها الخزانة العامة بها.. وذلك سوف يسرى على بقية ما سوف يعلن عنه من مساعدات مالية عربية وأوروبية أخرى.. أنها مساعدات محددة الأغراض وجزء منها قروضا يتعين عليها سدادها فيما بعد.