الأهرام 24/01/08 عندما يحدث أي خلاف مصري أمريكي تقفز في ذهن البعض في واشنطن قضية المساعدات الامريكية لمصر علي أساس أنها محور جوهري في هذه العلاقة, وأنه يمكن استخدامها للضغط علي الحكومة المصرية بشأن القضايا محل الخلاف سواء تعلقت بالديموقراطية أو حقوق الإنسان والأقليات. ولأن واشنطن هي الداعم التاريخي للنظم البوليسية والدموية المعادية لشعوبها في مختلف أرجاء العالم, ولأنها تحتفظ حتي الآن بعلاقات وثيقة وتفرض حمايتها علي نظم لا تعرف الديموقراطية وحقوق الانسان إليها سبيلا في بعض البلدان التي تحصل منها واشنطن علي النفط, ولأنها هي الراعي والحامي لكيان نشأ بالاغتصاب ويستمر بالعدوان وانتهاك حقوق الآخرين وسحق آدميتهم مثل إسرائيل, فإنها آخر من يحق له أن يتحدث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والأقليات, لأنه ببساطة حديث ابتزاز يستهدف أمورا أخري لها علاقة بالمصالح الأنانية للإدارة الأمريكية ولإسرائيل, ولذلك لم يكن غريبا أن ينأي كل المعنيين بالتحول الديموقراطي الكامل واعتبارات حقوق الإنسان في مصر/ بأنفسهم عن الولاياتالمتحدة ومواقفها الابتزازية. ويتصور البعض بجهالة مضحكة أن مصر تعيش علي المساعدات الأمريكية, أو أن تلك المساعدات تمثل شيئا مهما وكبيرا للاقتصاد المصري, وأن قطع مائة مليون دولار منها, أو حتي إيقافها كليا سيؤدي لكارثة اقتصادية في مصر. إن مبلغ ال100 مليون دولار يشكل أقل من0.1% من الناتج المحلي الإجمالي المصري المحسوب وفقا لسعر الصرف عام2006, ويشكل أقل من0.03% من هذا الناتج المحسوب وفقا لتعادل القوي الشرائية, أما قيمة المساعدات الاقتصادية كلها, فإنها توازي0.4% من الناتج المحلي الإجمالي المحسوب بالدولار وفقا لسعر الصرف, ونحو0.1% من الناتج المحسوب بالدولار وفقا لتعادل القوي الشرائية بين الدولار والجنيه. وإذا كان الناتج المحلي الإجمالي وفقا للبيانات الرسمية المصرية قد بلغ731.2 مليار جنيه, أي نحو132.9 مليار دولار في العام المالي2007/2006, فإن أهمية المساعدات الأمريكية المحدودة تتضاءل كثيرا بالنسبة له. وإذا كانت المساعدات الأمريكية تقدم لمصر أو لأي دولة, مقابل حصول الولاياتالمتحدة علي منافع سياسية واستراتيجية وأحيانا اقتصادية, فإن ما حصلت عليه الولاياتالمتحدة من مصر, كان أكبر كثيرا من أي مساعدات امريكية تلقته مصر. فالآليات التي تتم بها المساعدات الأمريكية المربوطة لمصر, تجعل جانبا مهما من تلك المساعدات يعود للولايات المتحدةالأمريكية, سواء في صورة استيراد سلع أمريكية عندما كان قسما من هذه المساعدات يستخدم في تمويل استيراد القمح وسلع أخري من الولاياتالمتحدة, أو عقود لتنفيذ الأعمال تذهب للشركات الأمريكية بشروط كان من الممكن لمصر أن تحصل علي أفضل منها كثيرا لو كانت المنافسة مفتوحة أمام الشركات العالمية لتنفيذ تلك الأعمال, أو تذهب كأجور ومرتبات لخبراء هيئة المعونة الأمريكية, أما الأهم من كل ذلك, فهو أن هذه المعونة كرست علاقات تجارية شديدة الاختلال بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية, وخلال الفترة من عام1983 حتي عام2006, بلغ مجموع العجز التجاري المصري المتراكم مع الولاياتالمتحدة, نحو41.5 مليار دولار, وهو ما يزيد بفارق كبير عن حجم المساعدات الأمريكية لمصر منذ بداية تدفقها وحتي الآن, وهذا العجز التجاري المصري مع الولاياتالمتحدة وثيق الصلة بهذه المساعدات التي تجعل مصر واحدة من البلدان القليلة التي تحقق الولاياتالمتحدة فائضا تجاريا معها, وهناك تصور انطباعي خاطيء مفاده أن مصر دولة تعاني من ديون خارجية ثقيلة وأنها تحتاج بالتالي للمساعدات الأمريكية والأجنبية عموما, وهو تصور لا علاقة له بالواقع لأن الديون الخارجية لمصر في الحدود الآمنة, والمشكلة الحقيقة بالنسبة للديون العامة هي الديون الداخلية التي اقترضتها الحكومة من الشعب المصري. وبالنسبة لحجم الدين الخارجي لمصر, فإن البنك الدولي في تقريره عن مؤشرات التنمية في العالم2007, يشير إلي أن إجمالي الدين الخارجي لمصر ذات ال75 مليونا من السكان, قد بلغ34.1 مليار دولار في عام2005, في حين بلغ الدين الخارجي لبلد تعداده4 ملايين نسمة مثل لبنان, نحو22.4 مليار دولار, وسوريا ذات ال19 مليون نسمة, نحو21.5 مليار دولار, والأردن ذي الستة ملايين نسمة, نحو7.8 مليار دولار, والسودان ذي الستة وثلاثين مليون نسمة, نحو18.5 مليار دولار, وتونس ذات العشرة ملايين نسمة نحو17.8 مليار دولار, والمغرب ذي الثلاثين مليون نسمة نحو16.9 مليار دولار. وإذا أخذنا بمؤشر ثقل المديونية الخارجية كنسبة من الناتج القومي الإجمالي, فإن نسبة الدين الخارجي لمصر إلي ناتجها القومي الإجمالي المحسوب بالدولار وفقا لسعر الصرف قد بلغت نحو36.7%, مقارنة بنحو99.1% في لبنان, وحوالي80.1% في السودان, ونحو81.8% في سوريا, وقرابة61.8% في تونس, ونحو57.8% في الأردن, ونحو32.1% في المغرب, أي أن المديونية الخارجية المصرية أخف من الدول العربية المدينة الأخري باستثناء المغرب. وترتيبا علي كل البيانات السابقة فإن المساعدات الأمريكية لمصر, هامشية بالنسبة لحجم الاقتصاد المصري, كما أن المديونية الخارجية لمصر تعتبر مديونية محدودة ولا يمكن أن تكون مدخلا للضغط علي مصر, وبالتالي فإنه يجب علي الإدارة الأمريكية أن تكف عن تصور أن مساعداتها المحدودة تمنح مصر أي شيء جوهريا, وبالمقابل فإن مصر كدولة قائدة إقليميا يجب أن تفكر جديا في الاستغناء عن المساعدات الأمريكية الهزيلة لإنهاء أي مساس باستقلال الإرادة المصرية وحتي تنهض العلاقات الاقتصادية مع الولاياتالمتحدة أؤ غيرها علي أسس تبادل المصالح واحترام كل طرف لحقوق الآخر. فمصر تبقي قوة قائدة إقليمية, وبلدا له إسهام حضاري جبار. ومثلما تهتم مصر بأن يكون لها علاقات دولية واسعة ومتكافئة وقائمة علي الندية والاحترام المتبادل, فإن الدول الأخري كبري أو صغري من مصلحتها أن تحتفظ بعلاقات وثيقة مع مصر التي يبدو أن مكانتها الإقليمية والعالمية أقرب للقدر الجغرافي والتاريخي منذ عشرات القرون. المزيد فى أقلام وآراء