أتذكر الزمن الذي كان فيه منتصف أكتوبر شديد البرودة، وأتذكر أيام الثغرة التي هللت لها إسرائيل ووصفها الراحل الكريم أنور السادات بأنها مجرد لعبة تلفزيونية. وفي مثل هذا الوقت من عام 1973 كنا نعيش علي أعصابنا؛ لأن السويسالمدينة التي أحببتها كثيرا كانت تعاني، وكان بعض من الشباب الذين ارتبطت بهم بصداقات يخوضون حرب الشوارع مع القوات الإسرائيلية، واستطاع الشباب بدون أسلحة متقدمة تشبه تلك التي منحتها الولاياتالمتحدة لإسرائيل- أن يضعوا الجنود الإسرائيليين في المآزق، وصارت السويس مصيدة للقوات الإسرائيلية. أتذكر كيف ارتفع ضغط دمي لأول مرة علي الرغم من أن عمري أيامها لم يكن يزيد علي الثلاثة والثلاثين عاما، ضغط دم الرغبة في مواصلة القتال، ولكن حكمة وبصيرة السادات شاءت أن تضع إكليل النصر علي رأس المقاتلين، وأعلن بدء التفاوض مع الخصم. وكانت المرة الأولي التي أسمع فيها عن التفاهم والحوار أمام بيت عبدالحليم حافظ، وكأنه كان يعلم عبر صداقته مع الملك الحسن الثاني أن في الأجواء أمورا تسير إلي مسارات أخري هي أساسها الاتجاه إلي السلام، هذا الذي تخشاه إسرائيل؛ فهي الدولة الوحيدة في العالم التي ترسم لنفسها حدودا علي الخريطة، وتعتبر النقطة التي يقف فيها جندي إسرائيلي هي حدودها. في تلك الأيام كان اعترافي بضرورة المزيد من القتال هو هاجسي، لأني فقدت العديد من الأصدقاء في حرب يونيو ،1967 وكنت كأي مصري أحب الثأر، ولكن الحكمة هي أن تعرف حدود قدراتك وتنتصر بها، وهذا ما فعله السادات، بل هذا ما كان قد استقر في ضمير عبدالناصر قبل أن يموت، خصوصا أن المحيطين به من القادة العرب كانوا بارعين في الخطب الإنشائية، أما التجهيز للقتال فذلك لم يكن يعني إلا القلة سواء في مصر أو سوريا أو ليبيا أو الجزائر، وطبعا شاركت السعودية بحرب البترول. تلك أيام لا تغيب عن الذاكرة، وهي أيام تذكرني بضغط الدم السياسي الذي عاشه جيلي في المسافة بين هزيمة يونيو 1967 وانتصار أكتوبر ،1973 وكانت تضحيات الشباب المصري فوق أي خيال ويبقي منهم في الذاكرة شباب السويس الفذ والبطل.