* مناورات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا تنتهي عند حد، فقد حاول مؤخرا، نقل الكرة من ملعبه إلي الملعب الفلسطيني حين طالب منظمة التحرير الفلسطينية بالاعتراف بوضوح بإسرائيل وطناً للشعب اليهودي مقابل تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية لفترة محدودة، وبالطبع رفضت السلطة الفلسطينية عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي جملة وتفصيلا، أولا: لأن هذا الأمر ليس له علاقة بعملية السلام، ولا بالتزامات إسرائيل التي لم تنفذها، ثانياً هو تعقيد جديد تضعه إسرائيل أمام الفلسطينيين فمسألة الاعتراف بالنسبة للفلسطينيين انتهت عام 1993 عندما تبادل الرئيس الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحاق رابين رسائل اعترفت فيها منظمة التحرير بإسرائيل، وعلي أساسه بدأت عملية السلام كما أن اتفاقيتي السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن لم تتضمنا الشرط الإسرائيلي باعتراف البلدين العربيين بيهودية إسرائيل وهو ما كان يمكن أن ينهي العزلة الدولية علي إسرائيل ولا يعرضها لاتهامات مختلفة من المجتمع الدولي تظهرها علي أنها دولة عنصرية. نتنياهو الذي لمح في خطابه أمام الكنيست في دورته الشتوية قبل أيام إلي أنه سيبذل كل جهده من أجل عرقلة المفاوضات مع الفلسطينيين، هو بالفعل ماض في هذه السياسة، رغم معرفته أنه لم يولد بعد الزعيم الفلسطيني الذي يمكن أن يقبل هذا الطلب الإسرائيلي فهو بمثابة عرض للانتحار السياسي لرئيسي السلطة الفلسطينية محمود عباس ويتمثل في إقرار الأخير بأن ليس للفلسطينيين شيء أو مكان في إسرائيل، أي التنازل المسبق عن حق عودة اللاجئين وكل ذلك في مقابل ثمن بخس يقترحه نتنياهو وهو تجميد مؤقت وجزئي للاستيطان لشهرين أو ثلاثة، ولا يشمل القدس!! نتنياهو بذلك يقدم هذا المطلب من أجل تخفيف حدة الأزمة المقبلة في المفاوضات بسبب انتهاء فترة التجميد، وفي نظره سيكون من المناسب تخريب المفاوضات بحجة مؤامرة يدبرها الفلسطينيون كي يرموا إسرائيل في البحر وهذه بضاعة سيكون ممكناً تسويقها في السوق اليهودية الأمريكية لكن من الصعب تصديقها سياسيا. والواقع أن الأوساط السياسية في العالم قد سادها الاجماع علي أن اقتراح نتنياهو ما هو إلا لعبة مفضوحة تدل علي أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يستخف بالعالم كله ونتنياهو يسخر من وعي وثقافة الإدارة الأمريكية ويدير سياسة ألاعيب معها، وربما لا يعرف معني الدخول في صدام مع الولاياتالمتحدة وأثره المدمر علي مصالح إسرائيل ورغم أن هناك شكوكا حول سذاجة نتنياهو،فإنه يحاول الاستمرار في نهجه المألوف بأن يتسبب في افشال المفاوضات بطريقة تظهر الفلسطينيين رافضين دائما فهذا غير مبرر ولا ينطلي علي المجتمع الدولي أو الإدارة الأمريكية التي باتت تعرف جيدا أساليب نتنياهو وألاعيبه لافشال أي تقدم في المسيرة السلمية المتعثرة منذ زمن بعيد. لكن من جهة ثانية فإن نتنياهو وجد من يناصره من السياسيين المحيطين به بعد تأييد نائبه وزير الشئون الاستراتيجية موشيه ليعالون لموقفه بتصريحاته العنصرية القائلة بأن العالم مخدوع بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ويصدقون أنه رجل سلام وما يفعله نتنياهو هوأنه يكشف الوجه الحقيقي لعباس معتبرا عباس لا يختلف عن سلفه الرئيس الراحل ياسر عرفات في تأليب العالم علي الحكومة الاسرائيلية. وعلي الرغم مما تعكسه أجواء واشنطن والأوساط المعنية بملف عملية السلام والاستياء العام في صفوف أركان الادارة الأمريكية من المأزق الذي وصلت إليه المفاوضات والتذمر الواضح والمباشر من جانب الرئيس أوباما من ألاعيب رئيس الوزراء الاسرائيلي التي وضعت عملية السلام في حالة جمود وأضعفت إلي حد كبير موقع المبعوث جورج ميتشل غير أنه في ظل غياب أي احترام منظور، بانتظار أن يعلن نتنياهو عن تنازل في موضوع الاستيطان هو محض تفاؤل بلا هدف ولا يخضع للمنطق السائد. وما يزيد الأمور تعقيدا وعملية السلام جمودا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيركز في الاسابيع الثلاثة المقبلة علي الشأن الداخلي والحملات الانتخابية قبل موعد التصويت علي الانتخابات النصفية للكونجرس في الثاني من نوفمبر المقبل وستكون انتخابات الكونجرس أحد عوامل إعادة تقويم عملية السلام ودور أوباما فيها إذ إن خسارة مدوية للديمقراطيين للمجلسين ستقوي موقع نتنياهو في الكونجرس وستترك أوباما أمام وضع داخلي كثير التعقيد قبل الانتخابات الرئاسية عام 2012.