بالنظر إلي الاقتصاد البريطاني الذي يعتبر كنموذج للاقتصادات الاوروربية الكبري الذي شهد خلال العام المنصرم أسوأ أداء اقتصادي علي الاطلاق خلال الخمسين عاما الماضية.. إذ تأثر بشدة من جراء الازمة المالية العالمية التي اندلعت في أواخر عام 2008 وما كان لها غير التأثير السلبي علي جميع الاوضاع الاقتصادية في البلاد. في الربع الاول انكمش الاقتصاد البريطاني بشكل حاد جدا إذ سجل الناتج المحلي الاجمالي 2.4% وهو بذلك وصل إلي أسوأ مستوي لم يشهده منذ عام 1958 وحتي ذلك الوقت لايزال الاقتصاد البريطاني منكمشا لمدة عام خاصة مع تدهور القطاع المصرفي والمالي بشكل كبير من جراء أزمة الرهن العقاري، ومن ثم استمرار فرض القيود المشددة علي عمليات الائتمان وبالتالي المزيد من معاناة الشركات والافراد في الحصول علي التمويل اللازم لينبثق عن ذلك انحدار لمستويات الطلب اجمالا داخل الاقتصاد البريطاني. الاقتصاد البريطاني هذا الانحدار الشديد لمستويات الطلب يعبر عن مدي عمق الركود الاقتصادي الذي يضرب البلاد، فمن ناحية دفع الشركات إلي القيام بتسريح مستمر للعمالة خاصة مع تقلص حجم الاستثمار في ضوء ضعف مستويات الطلب وضعف عمليات الاقراض من قبل البنوك بشكل كبير وبالتالي نجد معدل البطالة وصل إلي أعلي مستوياته منذ عام 1981 مسجلا في الربع الاول وحده مستوي 7.1% ووصل عدد العاطلين عن العمل إلي 2.2 مليون شخص وهذا ما انعكس علي البيانات الاقتصادية التي أظهرت تراجع حجم انفاق أفراد القطاع العائلي إلي أدني مستوي منذ 29 عاما. هذه العوامل زادت من الضغوط علي الحكومة والبنك البريطاني نحو احتواء آثار الازمة ومن ثم المزيد من التدخل في الاسواق وقيام الحكومة برفع حصص الاستحواذ علي البنوك الكبري بالاضافة إلي قيام البنك المركزي البريطاني بخفض سعر الفائدة حتي وصل إلي 0.50% ليصبح بذلك أدني مستوي تاريخي علي مدي تاريخ البنك البالغ اكثر من ثلاثة قرون، ولم يكتف البنك بذلك بل اتجه إلي دعم وتوفير السيولة في الاسواق خاصة مع إحجام البنوك عن اقراض بعضها البعض. وفي ضوء ذلك قام البنك المركزي باتخاذ اجراء غير تقليدي تمثل في طبع 200.00 بليون جنيه استرليني لشراء السندات والاوراق التجارية من الاسواق وفقا لما عرف باسم "برنامج شراء الاصول" الذي يستهدف تحقيق دعم السيولة في الاسواق وخفض تكلفة الاقتراض بجانب الحد من مخاطر الانخفاض التضخمي انخفاض مستمر للمستوي العام للاسعار وبالتالي دعم مستويات الانفاق والوصول بمعدل التضخم إلي المستوي الآمن لاستقرار الاسعار بنسبة 2.00%. علي الرغم من ذلك إلا ان معدل التضخم استمر في التراجع إلي ان سجل 1.1% في نهاية الربع الثالث إلا انه في الربع الرابع بدأ في الارتفاع من جديد مدعوما بارتفاع اسعار الطاقة عالميا متأثرا بالاجراءات التي اتخذها البنك البريطاني لدعم مستويات الاسعار والتوقعات الاخيرة التي صدرت عن البنك البريطاني أظهرت ان معدل التضخم سيظل أقل أو مقترنا من المستوي الآمن لاستقرار الاسعار بنسبة 0.2% حتي عام ،2010 وقد أعلن صندوق النقد الدولي في وقت سابق ان معدل التضخم قد يسجل 5.1% للعام الحالي 2010. علي الجانب الاخر، اتجهت الحكومة البريطانية في لعب دور نحو محاولة دفع الاقتصاد البريطاني من داخل دائرة الركود، وذلك عن طريق التوسع في الانفاق العام إلا ان هذا الاجراء دفع إلي ارتفاع عجز الموازنة إلي أعلي مستوياته علي الاطلاق، الامر الذي بات يهدد خفض التصنيف الائتماني لبريطانيا المرتفع ليكشف ذلك عن بدء ظهور فقاعة جديدة تواجه الحكومة ألا وهي اتساع الدين العام وذلك في ظل تراجع الايرادات الحكومية من حاصلات ضريبية وكذا ارتفاع الانفاق الحكومي من استثمارات، بالاضافة إلي الالتزام بتقديم الرعاية الاجتماعية مثل اعانات البطالة. هذه الجهود التي اتخذت سواء من قبل الحكومة أو البنك المركزي كان لها الاثر الواضح علي تراجع وتيرة انكماش الاقتصاد في كل من الربعين الثاني والثالث الذي سجل فيه انكماش بنسبة 2.0% وان كان بذلك لايزال الاقتصاد البريطاني ضمن دائرة الركود للربع السادس علي التوالي، أما البيانات التي صدرت في الربع الرابع أظهرت امكانية خروج الاقتصاد من الركود وحتي الآن لم تخرج البيانات الرسمية التي تؤكد ذلك إلا ان التوقعات تشير بتحقيق نمو في الربع الرابع علي اقصي تقدير بنسبة 4.0% وفقا لما صدر عن البنك المركزي البريطاني. وبالنسبة لضعف سوق العمل الذي يمثل أحد العوائق الرئيسية التي تهدد تحقق التعافي الكامل للاقتصاد البريطاني فقد تراجعت وتيرة تسريح العاملين في الاشهر الثلاثة الاخيرة من عام 2009 وان كان معدل البطالة لايزال مرتفعا عند أعلي مستوياته منذ اكثر من 13 عاما، ويري صندوق النقد الدولي ارتفاع المعدل إلي 3.9% خلال عام 2010. الجدير بالذكر ان ضعف الجنيه الاسترليني امام العملات الرئيسية الاخري عام 2009 والذي بلغ 25.00% لم يساعد علي دعم الصادرات أو حتي في رفع المستوي العام للاسعار إذ انه كما أوضحنا من قبل ان المشكلة الرئيسية كانت تكمن في ضعف مستويات الطلب سواء محليا أو عالميا. لكن ذلك من أحد العوامل الذي من شأنه ان يساعد علي تحقيق التعافي خلال عام 2010 ووفقا للتوقعات الرسمية الصادرة عن وزارة الخزانة البريطانية فإنه يتوقع ان يحقق الاقتصاد نموا سنويا بمقدار 1.5% للعام الحالي 2010 بعد انكماش بنسبة 4.75% للعام الماضي ،2009 هذه المستويات تتوافق تقريبا مع باقي التوقعات الصادرة عن المنظمات الدولية. وفي الوقت الحالي امام الاقتصاد البريطاني الكثير من العقبات كي يشهد تحقق التعافي الكامل، فمن ناحية يجب ان يتحقق الاستقرار داخل القطاع المصرفي وان تبدأ في تسهيل عمليات الائتمان والاقراض بعد ان استمرت طوال عام 2009 في عمليات اعادة الهيكلة ودعم رأس المال، علي الجانب الآخر، ان يتعافي سوق العمل وتعكس الشركات اتجاهها من تسريح للعمالة إلي رفع مستويات التوظيف من جديد، ايضا يتوقف ضمان تحقق التعافي للاقتصاد حول التوقيت المناسب الذي سيقوم فيه البنك البريطاني بسحب برنامج شراء الاصول الاتجاه نحو رفع سعر الفائدة. وعن أداء سوق الاسهم البريطاني بجانب التوقعات الفنية فإن الرسم البياني يظهر انه منذ ان علقت التداولات في مستويات حول 6800 نقطة بدأ المؤشر يشكل موجة دافعة هابطة تظهر علي الرسم البياني الاسبوعي أدناه الآن نحن نري أن المؤشر استطاع ان يشكل 3 موجات، فيما حاليا هو يقوم في آخر مراحل تشكيل الموجة الرابعة ضمن الاتجاه علي المدي الطويل. التحرك فوق مجموعة المتوسطات المتحركة الآسية بين 10 و80 تدعم فكرة ان السعر قد يصل إلي مستوي تصحيح 61.8% للاتجاه الصاعد الذي بدأ من مستوي 3440 واستمر وصولا إلي مستوي 6800. نحن نعتقد بأن الموجة الرابعة التي تمت الاشارة إليها سوف تنتهي في مستويات تصحيح 61.8% ومنها يبدأ المؤشر في موجة هابطة جديدة علي الانظمة الزمنية متوسطة الامد. علي الانظمة الزمنية اليومية نري مزيجا بين التحليل الفني الكلاسيكي والتحليل الفني التوافقي وهذه التحليلات تظهر بأن المؤشر كان قادرا علي تشكيل نموذج رأس وكتفين معكوس وحقق الهدف التقني الكامل في الاتجاه الصاعد عند مستوي 5520.00 نقطة.