فوجئت الأوساط المالية الأربعاء 25 نوفمبر بما أعلنته مؤسسة دبي العالمية عن تأجيلها لسداد ديونها لمدة 6 شهور، مما أثار رد فعل في البورصات العالمية وسط مخاوف بشأن احتمال تعثر دبي في سداد ديونها التي تقدر بحوالي80 إلي 85 مليار دولار، منها 60 مليار دولار علي مجموعة "دبي العالمية" وحدها وباتت إمارة دبي مهددة بالافلاس، الذي لو حدث سيكون أكبر افلاس علي المستوي العالمي بعد افلاس الأرجنتين عام 2001 حين توقفت عن دفع ديونها البالغة نحو 95 مليار دولار ما هية الأزمة الحالية في نوفمبر من العام الماضي 2008 كنت في زيارة إلي دبي كرئيس لاحد المؤتمرات المالية، وكنت أقطن في برج الإمارات، وكان الفندق يعج بالمئات من رجال الأعمال وقد كان ذلك في أعقاب افلاس "بنك ليمان براذرز". ولقد حضرت حفل الافتتاح الضخم لمنتجع "أتلانتس" السياحي، الذي بلغت تكلفته 52 مليون دولار أو ما يساوي 200 مليون درهم وحضره عدد من أفراد الأسرة الحاكمة وأبرز السياسيين ونجوم الفن والمجتمع في مختلف أنحاء العالم. فرغم الأزمة المالية التي كانت تطيح ببنوك العالم شرقا وغربا، ظلت دبي في ذلك الوقت خلية نحل في مجال المال والأعمال، تعج برجال الأعمال ومديري الصناديق الاستثمارية. ما الخطأ؟ أنا شخصيا مندهش من أن الأزمة في دبي لم تحدث قبل هذا التوقيت، ففي كثير من المحاضرات والندوات والمؤتمرات، كنت أشير إلي أن دبي عليها اعادة الهيكلة سريعا قبل حلول 14 ديسمبر حيث عليها سداد مبلغ 3.5 مليار دولار. لقد اعتبرت أوساط مالية غربية قيام حكومة إمارة دبي بتخويل صندوق الدعم المالي في الامارة، بتولي عملية إعادة هيكلة مجموعة دبي العالمية بشكل فوري، بمثابة إعلان مفاجيء لتدهور اقتصاد الامارة. فما الخطأ الذي وقعت فيه إمارة دبي؟ ولماذا تتعثر دبي في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق العالمية كثيرا من التفاؤل وباتت الأزمة المالية العالمية علي وشك الانفراج؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟.. إن توقيت الاعلان كان ذكيا للغاية: قبل يوم واحد من بدء عطلة عيد الأضحي المبارك حيث ستكون عطلة رسمية في الاسواق اضافة إلي العيد الوطني لدولة الامارات. إن توقيت الخبر عليه العديد من علامات الاستفهام، ويأتي في وقت مدروس بعناية بغرض تقليل الصدمة علي أسواق الامارات بالدرجة الأولي واتاحة الفرصة أمام أسواق المنطقة لامتصاص الصدمة تدريجيا أثناء فترة الاجازة. الحدث والتوقعات إن ما حدث في دبي كان متوقعا أن يحدث في أي لحظة نظرا لتمادي دبي في عمليات الاقتراض دون وعي أو تخطيط جيد مما ساهم في تكوين فقاعة من القروض قابلة للانفجار في أي وقت. إن إنشاء أي مشروع في العالم يتطلب أن تسبقه دراسة جدوي اقتصادية، أما في دبي فعادة كان يسبقه قرار سياسي بإنشاء "الأفضل" و"الأطول" و"الأعظم" و"الأشيك" و"الأفخم" بغض النظر عن حساباته الاقتصادية. فجميع مشروعات البناء والعقارات في دبي كانت ترتكز علي عنصر المضاربة القائم علي التوقعات المبنية علي استمرار ارتفاع الأسعار في المستقبل، إنها نفس المبادئ التي أشعلت سوق العقارات الأمريكي ومن ثم أدت إلي الأزمة المالية العالمية، مع الفارق بأن الأزمة العقارية في أمريكا قد نشأت بسبب سياسات الافراط في الاقراض، أما أزمة دبي فقد نشأت بسبب سياسات الافراط في الاقتراض.. ناهيك عن وجود كميات ضخمة من العرض النقدي والسيولة غير المبرر وغير معروف الهوية في السوق الاماراتي، مدفوعة دفعا قويا لشراء كل ما هو متاح في السوق المالي، من عقارات.. إلي أوراق مالية.. إلي صناديق الاستثمار.. إلي صناديق التحوط إلي المشتقات بأنواعها المختلفة.. وعلي سبيل المثال، في شهر ابريل 2005 شهدت دولة الامارات عملية الطرح الأول لشركة "أبار" لادراجها في البورصة بمبلغ 495 مليون درهم، واندهش المتعاملون في السوق حيث تمت تغطية الطرح بما يقرب من 800 مرة، بمعني أنه تم سحب أكثر من 394 مليار درهم من السوق.