من المسلمات البديهية أن اقتصاد السوق ليس مجرد ترك الأمور تجري في أعنتها، إنما الأساس فيه ترك الأفراد والمشروعات تعمل بحرية تامة، وهذا لا يقلل من دور الدولة في مراقبة حركة التجارة الداخلية. علي هدي ذلك وضع المشرع المصري قواعد وأدوات تتخذها الدولة ركيزة تستند إليها في تنظيم حركة تجارة السلع والخدمات تتسم بالمشروعية والحيدة خاصة عند تحقيق المصالح العليا للمجتمع من بينها قواعد إجراءات تحديد أقصي أسعار لتداول السلع التي تتسم بأهمية خاصة في حياة المستهلك تمثل ذلك في منح المشرع لجانا وأجهزة متخصصة حق الاختصاص في وضع الحدود القصوي لأسعار تداول السلع وقد ورد ذلك في النصوص القانونية والأحكام التشريعية التي وردت بالمرسوم بقانون 163 لسنة 1950 المعدل بالقانون 28 لسنة 1957 والقانون 142 لسنة 1959 والقانون 108 لسنة 1980 والقانون 128 لسنة 1982 في المواد التالية: أولا: قضت أحكام المادة الأولي بتشكيل لجنة في كل محافظة من محافظات الجمهورية يرأسها محافظ الإقليم أو من يقوم مقامه تؤلف بقرار من وزير التجارة والصناعة بالاتفاق مع وزير الداخلية تقوم تلك اللجنة بتعيين أقصي أسعار المواد المدرجة بجدول مرفق بالقانون ولوزير التجارة والصناعة حق تعديل ذلك الجدول بالإضافة أو الحذف بحيث يكون تعيين الأسعار ملزما للكافة دون تمييز المتعاملين في تلك السلع وذلك علي النحو الوارد بأحكام المادة الثانية من ذلك القانون. ثانيا: قضت أحكام المادة الثالثة من هذا القانون بتشكيل لجنة عليا بقرار من مجلس الوزراء بناء علي طلب وزير التجارة والصناعة وبرئاسته تختص بوضع أسس تعيين الأسعار ومراقبة حركة الأسعار بالأسواق واقتراح ما يؤدي لتحقيق مكافحة الغلاء.. هذه هي القواعد التي نص عليها القانون في إجراءات تحديد الأسعار والجهات المنوط بها هذا الاختصاص بحيث لا يجوز منح ذلك الاختصاص لغيرهم طالما أن أحكام تلك المواد القانونية تتمتع بسريان سلطانها في التنفيذ والتطبيق. ثالثا: أجازت أحكام المادة10 من القانون 3 لسنة 2005 ولائحته التنفيذية في مادتها رقم 18 الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1316 لسنة 2005 الخاصة بحماية المنافسة ومنع الاحتكار تحديد سعر بيع منتج أساسي أو أكثر لفترة زمنية محددة شريطة أخذ رأي جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار الشكلي بنص المادة 11 من ذلك القانون والمادة 21 من تلك اللائحة. تلك هي القواعد الواجب اتخاذها عند وضع الحدود القصوي لأسعار تداول سلعة ما عن طريق تلك اللجان والأجهزة وباعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل بنص القانون.. فهل التزمت وزارة التجارة والصناعة بالقانون؟! لقد أصبحت الوزارة هي المسئولة عن التجارة الداخلية التي آلت للمهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة اعتبارا من 30/12/2005 بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 420 لسنة 2005 وسوف نناقش القرارات التي أصدرها المهندس رشيد محمد رشيد لمواجهة التقلبات السعرية الشديدة التي تعرضت لها سلعتا حديد التسليح والأسمنت وأعتقد أن الموقف من هذه القضية كان أحد المحركات الرئيسية في تقييم أداء رجال الأعمال عند توليهم وزارات لها أهميتها الاقتصادية والاجتماعية. لقد أصدر المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة القرار 419 لسنة 2008 نشر بجريدة "الوقائع المصرية" بعددها الصادر برقم 117 (تابع) في 22 فبراير سنة 2008 نصت مادته الرابعة مكرر بالفقرة الثانية علي أن "يحظر بيع حديد التسليح بسعر يتجاوز سعر البيع الذي يتم تحديده بمعرفة المصانع" كما أصدر أيضا القرار رقم 162 لسنة 2009 نشر بجريدة "الوقائع المصرية" بعددها الصادر برقم 40 تابع في 17 فبراير سنة 2009 نصت مادته الأولي في فقرتها الثانية علي أن "يحظر بيع الأسمنت بسعر يجاوز سعر البيع الذي يتم تحديده بمعرفة المصانع" فبدلا من أن يسند الوزير الاختصاص في تحديد الأسعار إلي اللجان الواردة بأحكام المرسوم بقانون 163 لسنة 1950 بالقوانين المشار إليها وبدلا من أن يسند هذا الاختصاص إلي جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار الخاضع لولايته حاليا أوقف الوزير هذه القواعد وتلك الإجراءات كما أوقف تنفيذ أحكام مواد تلك القوانين وأسند للمنتجين منس سلعتي حديد التسليح والأسمنت الاختصاص في تحديد الأسعار وجاء ذلك بنص القرارات 419 لسنة ،2008 162 سنة 2009 وهذا مما يعد وقفا صريحا لأحكام القوانين واللوائح علما بأن أحكام تلك المواد لا تزال تتمتع بسلطاتها في التنفيذ فلا يجوز الخروج عليها أو إيقاف تنفيذ أحكامها ومن الغريب ما ورد بالقرار رقم 163 لسنة 2009 الذي نصت مادته الأولي علي أن "تتولي لجنة مشكلة من ممثلين عن قطاع التجارة الداخلية ومصانع الأسمنت ورئيس شعبة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية ورئيس غرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات المصرية وممثل عن جهاز حماية المستهلك دراسة تنظيم سوق الأسمنت من خلال وضع الحد الأقصي لسعر البيع للمستهلك" والمعلن بمعرفة المصانع علي شكاير الأسمنت والسؤال المطروح من المسئول تحديدا عن وضع الحد الأقصي لسعر البيع للأسمنت للمستهلك؟! هل تلك اللجنة؟! أم هم أصحاب المصانع؟!.. خلط شديد في النصوص والمعاني وجميعها جاءت مخالفة لأحكام القانون.. وأخيرا يمكننا القول إن قرارات التجارة الداخلية المشار إليها فرغت من محتواها القانوني فليس لوزارة التجارة والصناعة في إصدارها يد طليقة من كل قيد، بل يجب أن تخضع لأصول وضوابط تفرد بها المشرع في نصوص وأحكام لا تزال تتمتع بسلطانها فلا يجوز إيقاف أحكامها أو إهدار حقوقها. رئيس مصلحة التسجيل التجاري وعضو مجلس إدارة جهاز المنافسة ومنع الاحتكار السابق