تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة يوما بعد الآخر بأخبار وتحقيقات صحفية حول القفزات المتتالية في أسعار المنتجات خاصة تلك التي تمثل أهمية بالغة نحو اشباع حاجة المستهلك اليومية ومن أهمها سلعة السكر التي تضاعف سعر بيعها خاصة خلال الآونة الأخيرة حيث بلغ سبعة جنيهات للكيلو مقارنة بأربعة جنيهات منذ فترة وجيزة.. وتشير المعلومات إلي أن حجم الاستهلاك في مصر من تلك السلعة يبلغ 2،9 مليون طن سنويا علما بأن حجم الإنتاج المحلي منها يصل 1،8 مليون طن سنويا ويأتي سد العجز في احتياجات السوق الداخلية من خلال استيراد حوالي 1،1 مليون طن سنويا. وقد أرجع البعض من المختصين وغيرهم السبب في القفزات المرتفعة المفاجئة في أسعار بيع السكر مؤخرا إلي انتهاج البعض لممارسات ضارة بالمنافسة المشروعة من جانب بعض أصحاب المصالح الشخصية التي تتعارض مع المصالح العليا للمجتمع المصري من ذوي النفوس المنحرفة التي تسعي في الأرض فسادا يبتغون تحقيق الربح غير المشروع علي حساب مصالح شريحة واسعة من جمهور المستهلكين خاصة من الفقراء كما أشار خبراء آخرون إلي أن أسباب تلك الأزمة ترجع لسوء الأحوال الجوية التي تجتاح بعض دول العالم المنتجة والمصدرة للسكر بالإضافة إلي أن القواعد التي تنظم السوق الداخلية يحكمها تفاعل آليات السوق فيما بينها بحرية تامة وهي التي يتحدد بها أسعار بيع المنتجات بالأسواق. وتقتضي الدقة الاشارة إلي أن كل هذه التعليلات في جملتها وتفصيلها غير مشفوعة بأدلة قاطعة اقتصاديا وتشريعيا باعتبار أن نسبة الارتفاع المفاجئ في أسعار بيع السكر التي تضاعفت لا تتناسب مع نسبة الانخفاض في حجم الإنتاج العالمي علي وجه الإطلاق فضلا عن ذلك فإن ارتباط نظام السوق بفكرة الاقتصاد الحر الذي تؤول فيه ملكية غالبية وسائل الإنتاج والتسويق للقطاع الخاص لا يعني مطلقا غياب الدولة عن الساحة الاقتصادية وترك الحبل علي الغارب لقوي السوق حيث يعد تدخل الدولة إحدي السمات المعاصرة للمذهب الليبرالي المتمثل في كيفية التدخل وإجراءاته والوظائف التي تستهدف حماية الهياكل الإنتاجية والتجارية من الممارسات الضارة بالمنافسة المشروعة فضلا عن حماية حقوق ومصالح المستهلك القانونية وهو أحد الأهداف التي حددها قرار رئيس الجمهورية 420 لسنة 2005 والذي بموجبه آلت المسئولية عن التجارة الداخلية لوزير التجارة والصناعة في 30/12/2005 كما آلت إليه العديد من الأجهزة والقطاعات المتصلة بتنظيم حركة التجارة الداخلية وفقا لما نص عليه القرار الجمهوري مثل جهاز تنمية التجارة الداخلية وجهاز حماية المستهلك وجهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار وقطاع التجارة الداخلية واتحادي الغرف التجارية والصناعة.. الخ. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: ألا تمثل كل هذه الآليات وسيلة فعالة للعمل بالتوقعات المرئية في مواجهة الارتفاعات المفاجئة غير المبررة للمنتجات بالأسواق الداخلية للبلاد؟؟؟ ولماذا يتسم الأداء في التجارة الداخلية بانتشار ردود الأفعال التي تطرأ علي الساحة دون توقعات؟؟؟ فمن المسلمات البديهية أن استقرار أداء السوق وانتظام التجارة الداخلية يتحدد وفقا لتنفيذ وتفعيل التشريعات المنوط بها ذلك باعتبارها الوسيلة الفعالة عند مواجهة التقلبات السعرية سواء نتيجة قلة حجم العرض بما يفي بحجم الطلب أو نتيجة محاولة بعض الجشعين تحقيق أرباح سريعة دون ضابط أو رابط. لهذا اتخذ المشرع المصري من الأداة التشريعية وسيلة لانتظام أداء السوق وانضباط حركة التجارة الداخلية بما يتفق مع ظروف المجتمع المصري مهما تغيرت ونظامه الاقتصادي مهما اختلف بتتمثل في عدة نقاط أهمها: أولا: تقضي أحكام المادة/19 من اللائحة التنفيذية لقانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار 3 لسنة 2005 المعدل بالقانون 190 لسنة 2008 الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء 1316 لسنة 2005 بأن يتولي جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار إعداد الدراسات اللازمة لممارسة مجلس الوزراء اختصاصه المنصوص عليه في المادة/10 من هذا القانون في شأن تحديد أسعار بيع المنتجات الأساسية وإعداد التقرير الخاص برأي الجهاز في هذا الشأن وهذا سوف يدعو بالقطع إلي معرفة التكلفة الحدية للسلعة أي نصيب الوحدة من المنتج من إجمالي التكاليف خلال فترة زمنية محددة كما يدعو الأمر أيضا لمعرفة متوسط التكلفة المتغيرة أي متوسط التكلفة التي تتغير بتغير حجم ما يقدمه الشخص من منتجات خلال فترة زمنية محددة مقسوما علي عدد الوحدات من المنتجات. وكان يتعين علي وزير التجارة والصناعة استخدام تلك الأداة المتمثلة في هذا الجهاز لمواجهة هذه الأزمة.