علي مدي ثلاثة أيام 3/5- مايو الحالي شهدت قطر انعقاد الدورة التاسعة لمنتدي الدوحة للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة ومؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط. افتتح الفعاليات سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثان أمير قطر وبحضور معالي الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية وبمشاركة سبعين دولة. لقد سلطت الفعاليات الأضواء علي قطر التي باتت اليوم ساحة تتبوأ مكانة مهمة بعد أن أصبحت بمثابة عاصمة فكرية للنقاشات التي تنظمها حيث تتباري الآراء المختلفة من قبل العديد من الشخصيات المرموقة النافذة تصدرهم هذا العام رئيس وزراء فنلندا وجاك شيراك الذي أشاد بدولة قطر بوصفها تساهم في إرساء مرحلة جديدة للديمقراطية في العالم. أما قائمة الحضور فلقد ضمت عدداً من الوزراء والبرلمانيين والخبراء ورؤساء مؤسسات ومنظمات دولية وإعلاميين وعدداً من المعارضين السياسيين. ** الديمقراطية وحقوق الإنسان. تطرق المؤتمران إلي موضوعات كثيرة بدءاً من الديمقراطية وحقوق الإنسان مروراً بالإعلام واتفاقية التجارة الحرة وتعدد القطبية وانتهاء بالمشهد السياسي الذي تم التركيز فيه علي حقبة أوباما وما يمكن أن تقدمه للداخل الأمريكي وعلي صعيد السياسة الخارجية. ورغم أنه لم تكن هناك مناقشات مستفيضة عن القضية الفلسطينية والنزاع مع إسرائيل إلا أنها كانت موضع حديث ونقاش في كل الجلسات بوصفها قضية مهمة للمنطقة والعالم. ** دلالات التغيير في المشهد السياسي المشهد السياسي سلط الأضواء علي أمريكا في حقبة أوباما وتأثيرها علي البنية السياسية تزامن تحليل المشهد في المنتدي مع مناسبة مرور مائة يوم علي أوباما كرئيس للولايات المتحدة. البوادر الأولي أظهرت اختلافاً كبيراً عن إدارة بوش والدلائل كثيرة، منها أن أوباما أوقف كلمة الحرب علي الإرهاب وأعطي وعدا بإغلاق معتقل جوانتانامو ومنها الكلمة التي ألقاها في تركيا وأكد خلالها احترام أمريكا لجميع الأديان ولكل معتنقي الدين الإسلامي بدأ أوباما وكأنه قلب صفحة الماضي وقال هذه هي أمريكا الجديدة التي تصر علي أن تلعب دورا مهما في أنحاء العالم. ولا شك أن أسلوب أوباما أعطاه ثقلا فهو يفكر بصوت عال وهذه ميزة كبري يتمتع بها السياسي الذكي وهو ما يعينه علي حل المشاكل. ** أوباما والأزمة المالية منتدي الدوحة عمد إلي تشريح شخص أوباما وتركيبته وهو ما انعكس في اختياره للعاملين معه فهم أناس لديهم خبرة ويعرفون كيف يوظفونها. ظهر أوباما أكثر حرصا علي التغلب علي الأزمة الاقتصادية وتحسين صورة أمريكا التي تواجه مشاكل في الداخل والخارج، جاذبيته تبعث من الأفكار التي يتبناها. وإذا نجح في القضاء علي الأزمة المالية ونجح في نظام الرعاية الصحية ستزداد شعبيته في الداخل وسيتذكره الناس كما تذكروا روزفلت. وعامة فأوباما يتمتع بكاريزما ذات تأثير علي الناس فهو يطرح نفسه كأمريكي عادي من الطبقة الوسطي ولعل هذا ما منحه الشعبية التي أهلته لأن يحصل علي أصوات الكثيرين في الحملة الانتخابية. ** أوباما منقذ لأمريكا أوباما يختلف عن بوش في بندين مهمين.. الأول يتعلق بإدارة المهام، والثاني بكيفية تحمل المسئولية. لقد استطاع أن يوجه الأمريكيين نحو التوحد رغم تنوعهم واختلافاتهم. وهو وإن اعطي للأمريكيين أملا في التغيير إلا أن مقدار التغيير الذي قد يحدثه لا يمكن التنبؤ به من الآن لاسيما وقد ورث أسوأ واقع سياسي ومالي وأمني. أوباما الوجه الذي شكك الأمريكيون وغير الأمريكيين في قدرته علي الوقوف علي خشبة المسرح العالمي. بيد أن هذه الشكوك توارت بعد أن نجح في الوصول إلي البيت الأبيض وهو بلا شك إنجاز كبير، ولهذا فإن كل التوقعات تثق في قدرته علي إدارة الأمور بصورة أفضل من بوش الذي فقد الأمريكيون الثقة في سياسته. ومن ثم نظر إلي أوباما بوصفه المنقذ الذي سيعيد رسم السياسة الأمريكية بشكل يمنح الولاياتالمتحدة المصداقية من جديد. ** ماذا عن مبدأ تحقيق التوازن؟ تظل القضية الفلسطينية هي المدخل للمنطقة. والعرب يتطلعون إلي دور فاعل لأمريكا في القضية الجوهر. ولكن يظل من الصعب الجزم من الآن بالنسبة للفترة التي سنصل فيها إلي مرحلة من التوازن. ولا شك أن تحقيق دولة فلسطينية مستقلة هو الأمل في خانة المحك الحقيقي لإدارة أوباما والأمل في ترسيخ نظام دولي قائم علي الديمومة والثبات في السلوك بما يؤدي إلي انعدام ازدواجية المعايير الدولية. والثابت أن الفلسطينيين وإسرائيل لن يتفقوا إلا إذا تدخلت أمريكا وأطراف أخري ولكن يرد التساؤل هل يمكن لأوباما الضغط علي إسرائيل؟ سؤال من الصعب الإجابة عليه حاليا، فإسرائيل لها نفوذ في الكونجرس والرأي العام الأمريكي يناصرها ولا يعتقد أن أي سياسي أمريكي يجرؤ علي أن يتخذ موقفا يؤثر علي أمن إسرائيل وبالتالي يظل هناك شعور لدي الكثيرين باستحالة حدوث تغيير جوهري من جانب أمريكا تجاه إسرائيل، فمبدأ تحقيق التوازن أطيح به إلي الأبد. وخلافا للقضية الفلسطينية هناك سوريا فرغم التقارب معها من خلال توجه مبعوثين أمريكيين إليها إلا أن الإعلان مؤخرا عن تجديد العقوبات التي فرضت عليها منذ سنة 2004 يشي باستحالة حدوث تغيير حقيقي حيالها. ** التغيير لن يكون كبيراً في الوقت الذي يود العرب فيه أن يروا دفعا للأمور إلي الأمام خاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية ويتطلعون بأمل إلي أوباما كمنقذ لحل مشكلات كثيرة فإن المرء يتساءل هل يستطيع أوباما أن يواصل هذا السباق؟ التوقعات عالية بالنسبة له والعديد من التحديات تجابهه، وأمامه العديد من المهام في الداخل ولكن ماذا عن ماكينة السياسة الخارجية مع الأخذ في الاعتبار بأن الاقتصاد هو الذي يحرك قاطرة السياسة الخارجية. وعليه فإنه ما لم يخرج من هذا المأزق سيكون من المتعذر عليه حل القضايا الأخري. لاسيما وأن أوباما يعمل في إطار واقع السياسة الأمريكية وبالتالي فإن التغيير حتي لو حدث سيكون ضئيلا.