سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رغم سقوط حكومات التشيك والمجر ولاتفيا واندلاع مظاهرات فرنسا وبريطانيا المزايا العمالية ل "دولة الرفاة" تحمي ألمانيا من الاضطرابات الاجتماعية المصاحبة للركود الاقتصادي
لقد بدأت أوروبا تدفع ضريبة الأزمة الاقتصادية العالمية حيث أنهارت حكومات كل من جمهورية التشيك والمجر ولاتفيا واندلعت المظاهرات العنيفة في شوارع فرنسا وبريطانيا، ومع ذلك فقد وقفت ألمانيا كما تقول مجلة "نيوزويك" هادئة ولا يبدو عليها الانزعاج.. وفي حين يتوقع أن ينكمش اقتصادها بنسبة 5.3% هذا العام أي بنسبة أعلي من الولاياتالمتحدة "4%" وبريطانيا "3.7%" وفرنسا "3.3%" فإن الشعب الألماني يبدو غير غاضب علي مقدراته.. فعندما شعر الألمان بدفء الربيع في مارس الماضي ازدحمت مطاعم برلين بالرواد وامتلأت شوارعها بالسيارات خصوصا مع الانخفاض الأخير في أسعار البنزين. وزاد أيضا إنفاق المستهلكين. فمبيعات السيارات في مارس ارتفعت بنسبة 40% بفضل الدعم الحكومي لكل من يشتري سيارة جديدة والبالغ قيمته 2500 يورو والذي يعد جزءا من الحافز الاقتصادي الذي قررته الحكومة الألمانية للخروج من الأزمة الراهنة. وأظهرت استطلاعات الرأي كذلك أن 13% فقط من الألمان هم الذين يشعرون أن مالياتهم سوف تتأثر سلبيا بالأزمة الاقتصادية. وكان ملفتا للنظر أن أعمال الاحتجاج ضد العولمة التي خطط لها منذ وقت طويل واندلعت في مارس الماضي لم تجذب سوي أعداد قليلة من النشطاء اليساريين. وقد بلغ الأمر حد أن جريدة "فرانكفورتر ألجمينه" تساءلت في عنوانها الرئيسي أخيرا: لماذا هي ألمانيا لاتزال هادئة إلي هذه الدرجة؟ وذلك علي الرغم من أن الألمان يعانون أسوأ ركود مر بهم منذ 60 سنة. ودعونا نقول ببساطة إن هدوء الألمان يرجع إلي عدم شعورهم بالأزمة وآثارها. فمعدل البطالة ارتفع في مارس 2009 ليصبح 8.6 ولم يكن قد بدأ الارتفاع إلا في ديسمبر 2008 حيث بلغت نسبته آنذاك 7.4% وهي معدلات قليلة مثل تلك التي كانت سائدة في ثمانينيات القرن الماضي. ورغم أن بنوك ألمانيا كانت من أكبر المضاربين علي الأصول المالية الأمريكية المسمومة إلا أن هذا لم يكن له سوي تأثير محدود علي الرجل العادي في تلك الدولة. أكثر من ذلك فإن الألمان لم تحدث عندهم فقاعة إسكان لأنهم في الحقيقة أمة من المستأجرين كما انهم لم يبالغوا في الاستدانة من أجل زيادة الاستهلاك وهذان مرضان تكتوي بنارهما الآن كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسبانيا وإيرلندا.. وبرغم أن أسعار الأسهم الألمانية هبطت بنسبة 41% "مقابل 39% لأسهم مؤشر داو جونز الأمريكي" فإن ذلك لم يؤثر إلا في عدد قليل من أرباب الأسر حيث إن الألمان لم يعتادوا علي تملك الأسهم بصورة مباشرة. فهم يعتمدون في تقاعدهم علي المعاشات الحكومية وبوالص التأمين وهي وسائط لا تتغير قيمتها ولا مخاطرها شهرا بشهر. وبجانب كل ما تقدم فإنه يبدو أن معظم الألمان يشعرون في أفواههم بحلاوة لم يعرفوها منذ عقود فبرغم ارتفاع معدل البطالة كما ذكرنا إلا أنه لم يصل إلي الذروة التي كان قد بلغها في عام 2005 وهي 12.6%. وبعد سنوات من خفض التكاليف بما يعنيه ذلك من الاستغناء عن العمالة وكبح الزيادة في الأجور تمكنت النقابات الألمانية أخيرا من تحقيق زيادة في أجور العمال. وكانت آخر زيادة في الأجور هي الأعلي من نوعها منذ 13 سنة. أضف إلي ذلك أن انخفاض اسعار الطاقة والتخفيضات الضريبية التي اشتمل عليها الحافز المالي الحكومة قد انعشت مزاج الألمان. وتقول مجلة "نيوزويك" إن هذه الأوقات السعيدة قد تستمر لبعض الوقت. صحيح إن الركود بدأت آثاره تعض الألمان بعدالانهيار المفاجئ للصادرات الألمانية التي تمثل 40% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد إلا أن هذه الآثار سيتم تلجيمها وكبتها. فالألمان يثقون أن مزايا دولة الرفاة التي يتمتعون بها ستخفف من الصدمات علي نحو ليس له مثيل حتي في بلد كالولاياتالمتحدة فمعظم العمال الألمان مؤهلون للاستفادة من تلك المزايا وقليلون منهم فقط هم المهددون بالحرمان من مزايا التأمين الصحي. والأمر المؤكد أن الإجراءات الحكومية لحماية العمال هي السبب ولو جزئيا في تباطؤ زيادة معدل البطالة. صحيح انه حدث استغناء عن العمالة في الصناعات التصديرية التي هبط الطلب علي منتجاتها بنسبة 50% ولكن الحكومة الألمانية تولت تقديم الدعم إلي نحو 50 ألف شركة للإبقاء علي مليون عامل في أعمالهم علي الرغم من انهم قد لا يجدون أعمالا يؤدونها. ولابد من الإشارة إلي أن اقتراب الانتخابات الألمانية في سبتمبر القادم يجعل حكومة المستشارة ميركل حريصة علي حقوق العمال حتي لا تفاجأ بأن اليسار قد اكتسح تلك الانتخابات التي لم يعد باقيا عليها سوي أقل من خمسة أشهر.