هل تسمح لي أن أسألك: كيف حال علاقتك بالزمن؟ ستقول لي أنك عربي وتملك من الساعات العديد والعديد من الموديلات العالمية، أو حتي من تقليد الماركات الكبيرة التي تزين أغلفة المجلات الملونة. ولكن -عفوا- أنا لا أسألك عن علاقتك بالتوقيت الذي تحاول التعرف عليه في بعض ساعات النهار أو الليل، ولكني أسأل عن علاقة أي منا بفكرة الزمان. وسر سؤالي هو المفاجأة التي تسربت بهدوء إلي أعماقي بعد مشاهدة المعرض الأخير للفنانة المبدعة نازلي مدكور، وهو المعرض المقام حاليا بقاعة سفر خان بالزمالك، حيث تظهر الشخصيات بملامح تؤكد لك أن تلك الشخصية التي تراها مجسدة بالألوان أمامك كانت هنا منذ قليل، أو أنت تراها في خيالك وتنتظر إطلالتها عليك، فنحن الأحياء نعيش بين زمنين، الذي راح والذي سيأتي وبين الزمنين نعيش ونحن نمرق كأطياف، منا الطيف الملائكي المكدود، ومنا الطيف النوراني الذي يمكن أن تراه في مواقع بعيدة عن القاهرة، ومنها وجوه أطفال تطل بالدهشة علي العالم. ورحلة نازلي مدكور مع أطياف البشر هي واحدة من رحلاتها المهمة، فهي لم تنس أسلوبها الشخصي جدا في التصوير، ولكن التطور الآخاذ يملأ عليك خيالك. وكعادتي مع الفن الجميل، أجده وهو يقوم بتنقية تذكاراتي وتجديدها، فمنذ زمن بعيد يكاد أن يكون سحيقا، لم أسافر إلي القرية التي نشأ فيها أبي حتي كدت أنسي ملامح أهلها، وأعادها لي معرض نازلي مدكور كأطياف، فمنذ تاريخ موغل في القدم لم أر وجوه الفلاحات الخارجات من البيوت الطينية، وعلي ملامحهن حلم ما، ولكن نازلي مدكور دخلت ذاكرتي وذاكرة من شاهدوا الريف لا كمستشرقين ولكن كأهل لهؤلاء النسوة اللاتي يعملن علي راحة أهل البيت وكأني قمت بزيارة أنشاص الرمل التي توقفت عن زيارتها منذ أكثر من 50 عاما ورأيت وجوه أطفال تطل بتعجب علي هذا العالم، وكأن العيون تسألني عن مصيرها وماذا يمكن ان نقدم لها. أحسست ان نازلي مدكور في معرضها الأخير تأخذنا إلي رحلة حقيقية، هي رحلة بين أطياف نعيش معها وتعيش معنا، أطياف تنتظرنا أو ننتظرها والرحلة مع الأطياف تؤكد انسانية من يستخرج من خياله هذا الجمال غير العادي من البساطة الملونة التي تمتلك خصوصية من وضعها علي اللوحات. وهي لوحات تهمس لنا بأن الزمان الذي نحياه يفر دائما من بين أيدينا، فلا ندقق فيه تماما، ولا نمسك به، بل يمرق دون أن نلحظ ذلك، ولكن نازلي مدكور أمسكت بالزمان في جريانه، إما وهو يفلت منا وإما وهو يقبل علينا ليفلت من جديد. أشكر لك أيتها الرائعة رحلتك مع الاطياف، وأقرر اني في انتظار العديد من تلك الأطياف، والعديد منهم أيضا ينتظرني، فما بين الأطياف تجري دقائق العمر، المهم أن يبقي منها جمال ما، أو تمنحنا في لحظة حضورها القادم جمال آخر.