كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلا، وأنا أقود السيارة في طريقي للصعود علي كوبري أكتوبر من جهة العجوزة، ومطلع الكوبري يشكل نصف دائرة، ومن ثم لا تري الكمين المنصوب لك عند نهاية المطلع. فالسيارات تصعد من خلفك، والكمين يسد الطريق أمامك، فلا مفر. ولابد أنك تعرف شعور المواطن العادي تجاه الشرطة، إذ يمكن تلخيصه في كلمات أي سائق تاكسي، أو أتوبيس، أو ميكروباص، أو نقل، أو حتي ملاكي عادي: ربنا يبعدهم عنا، ويكفينا شرهم. فماذا يريدون؟ الإجابة بسيطة جدا: أن تدفع لهم الغرامة. غرامة ماذا؟! غرامة أي حاجة! فلابد أنك تستحق غرامة ما. مثل ماذا؟ أقول لك: معك الرخص، ورخصك سليمة، وإيه يعني، كان غيرك أشطر. هل تربط حزام الأمان؟ ومعك طفاية جديدة، ومثلث عاكس مطابق للمواصفات، وشنطة إسعاف كاملة! وإذا كنت - لحرصك وحذرك وحصافتك - معك كل هذه الأشياء جميعا، فالأمر بالتأكيد لن يخلو من إضاءة النور العالي، أو عدم إضاءة النور أصلا، أو كحته في الصاج، أو حكة بجنب السيارة، أو زجاج مشروخ، أو رفرف مخبوط، أو رفرف عليه شبكة، أو باب معوج، أو فانوس ناقص، أو فانوس زائد، أو الإشارات فيها حاجة، أو.. أو.. كل هذه الأشياء، وغيرها كثير جدا يدخل ضمن مصطلح: الأمن والمتانة! ومن ثم كان لابد أن أسعي إلي الضابط، الذي قال لي: نأخذ الرخص، ونسجل مخالفة، أم تدفع الآن ونتصالح؟ قلت له: هل تسمح لي أن أسألك أولا سؤالا؟ نظر إلي بتعجب وقال: اسأل؟! فقلت: هل مرتب حضرتك يكفيك حتي آخر الشهر؟ فأجاب بحماس: طبعا لا يكفي. فقلت: وأنا أيضا معاشي لا يكفي، فلماذا تريد أن تأخذ فلوسي، وتعطيها لهؤلاء الذين يعطوننا مرتبات ومعاشات لا تكفي؟ نظر إلي قليلا ثم قال: هو أنا واقف هنا في هذه الساعة بمزاجي؟ إنهم يسألونني كم حصلت من مخالفات؟ وإذا كان المبلغ أقل مما يتوقعونه، يبقي أنا واقف منظر! قلت له: أنا مُقدر إنك عبد المأمور، ولكن قل لي: هل يرضي ضميرك أن تأخذ مني رزق أولادي، وتعطيه لهم؟! فإذا به فجأة يعطيني الرخص، ويقول لي: تفضل مع السلامة.