لا أعلم ما هو سبب انفراد المصريين دون بقية شعوب العالم في ذلك التقدير العجيب، والإعجاب المفرط بالجمبري. بالطبع يحب كثيرون من مختلف انحاء العالم هذه الأكلة، خاصة محبي الأطعمة البحرية التي يحبونها ضمن باقة كبيرة متنوعة من فواكه البحر. ولكن في مصر، ولدي المصريين تحديدا نكن "تقديرا خاصا" للجمبري الذي يعد عنوان رقي أي وجبة. يروي لي صديق عائد من الحج هذا العام نوادر كثيرة عن "دلع" الحجاج المصريين في مستوي الحج الفاخر، لدرجة ان حاجة ظلت تصرخ طالبة ضرورة حضور صاحب الشركة شخصيا. قالوا لها.. تحت أمرك، ما المشكلة، وهي تستمر في الصراخ إلا صاحب الشركة الذي قابلته في القاهرة، وفي هذه اللحظة وازاء العصبية المستمرة، أيقن الجميع ان الحاجة أمام مشكلة كبيرة، وما كان من صاحب الشركة إلا وأتي علي وجه السرعة، وبمجرد رؤيتها له صاحت قائلة "ايوه.. هو ده" ثم سألته وبشكل مباغت: انت قلت لي ان القهوة متوافرة في كل وقت.. صح" ولما كان السؤال غير مفهوم رد عليها قائلا: أيوه صحيح، وهذا هو ما يحدث ففي كل مكان توجد ماكينة لصنع القهوة في أي وقت يمكنك استخدامها. هنا شعرت الحاجة وانها قد امسكت صاحب الشركة بالمجرم المشهور، واستطاعت بمهارة رجال المباحث ان تسحب منه الاعتراف.. قائلة: لا يا استاذ.. هذه قهوة أمريكية، وأنا لا أشرب علي السيجارة سوي قهوة تركي، "لاحظ هذا الحوار يجري اثناء مناسك الحج، قهوة تركي.. وسيجارة". ولما كان هذا الموقف غريبا، فقد عاجلني صديقي قائلا: هذا لا شيء أمام مسألة الجمبري!! قلت غير مستوعب: يعني إيه؟ رد يوميا تحدث خناقة في المطعم، من اكثر من حاج، حول، أو بسبب أو عن الجمبري. الحاج من دول -يقول صديقي - يعتبر ان الرحلة المقدسة والتي دفع فيها ما يقرب من ستين ألف جنيه له، مبلغاً مماثلا لزوجته كوم، وتوفير الجمبري بغض النظر عن وجود أية أطعمة اخري كوم تاني. أيضا الحاج من دول، يملأ طبقه علي شكل هرمي بالجمبري تاركا نصفه معرضا للرمي في الزبالة، دون أكل، لأنه أخذ أكثر من حاجته، والطعام به أنواع أخري كثيرة، أما الحاج.. من دول أيضا - الذي يأتي متأخرا وهو يتابع اهرامات الجمبري تتناقص من اطباق زملائه الحجاج فيشعر بمدي تخاذله عن الدخول في هذا السباق ويتوجه الي الطبق الرئيسي ليجده فارغا، وتبدأ المعركة اليومية.. يعني ايه الجمبري خلص.. احنا دافعين فلوس ولازم يكون فيه جمبري- لاحظ أيضا ان هذه الخناقات تجري اثناء مناسك الحج، ويظل يصيح أو يصيحون حتي تأتي اطباق جمبري جديدة يرمي ايضا نصفها في الزبالة، حيث انه لم يؤكل. حاج من دول -كما يروي صديقي- أخذ يجمع الجمبري الصغير الذي يضعونه فوق اطباق الأرز، حارما غيره من الحجاج وتاركا الأرز وحده، علما بان لديه اطباقا اخري بها جمبري كبير ولكنها معضلة الجمبري المصرية. هذا يحدث في الحج وكل حاج من دول، يدفع مبلغا وقدره، أي انه من طبقة إن لم تكن ثرية فهي علي الأقل مستورة، ولا يشكل له الجمبري عقدة أو ندرة أو عدم قدرة في الحصول عليه ولكنها معضلة غير مفهومة. لاحظ في كل البوفيهات المفتوحة في غير أوقات الحج - والافراح والمناسبات العامة حينما يكون هناك طبق جمبري، وحجم التكالب - والتضاغط، والاقبال الحادث حوله. هو سلوك عام لا اعرف له سببا ولماذا الجمبري تحديدا؟ الذي لا يقبل المصريون بالتهاون فيه، سأخصص جائزة قيمة لمن يستطيع ان يقدم لنا تفسيرا مقبولا لان كل شيء ممكن نتحكم فيه.. إلا الجمبري.