شهدت القاهرة يوم الأربعاء الماضي مؤتمرا بالغ الأهمية عن "الإعلام والقطاع الخاص.. شراكة أم مواجهة؟" نظمه مجلس الأعمال المصري الكندي برئاسة المهندس معتز رسلان. ووفقا لوثائق المؤتمر فإن الهدف منه هو "مناقشة واستعراض تطوير العلاقة بين الإعلام والقطاع الخاص والتي شهدت العديد من التغيرات الإيجابية والسلبية في ظل تعدد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وارتفاع سقف الحرية والديموقراطية في مصر، وفي ظل هذا الإطار يحاول المؤتمر الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تتضمن تحديد مسئولية الإعلام تجاه القطاع الخاص في ظل هذه الحرية، وكذلك تحديد مسئولية القطاع الخاص فيما يتعلق بالشفافية المطلوبة تجاه المجتمع. وكانت الأسئلة الأساسية بهذا الصدد هي: أولا: هل هناك إطار محدد يمثل العلاقة بين الإعلام والقطاع الخاص أم أن الأمر تحكمه تصرفات فردية دون ضوابط مهنية؟ وهل الأمر يتوقف علي الاتجاه الأيديولوجي لوسيلة الإعلام؟ وهل تتدخل العلاقات الشخصية لتحديد شكل العلاقة؟ وهل العلاقة تمر بحالة من الفوضي "الخلاقة" التي من المتوقع أن تصل إلي حالة توازن في الأجل القريب؟ ثانيا: ما خبرة المجتمعات الأخري، سواء المتقدمة أو النامية، فيما يتعلق بالتوصل إلي صيغة متوازنة بين الإعلام ورجل الأعمال، وهل هناك حاجة إلي تشريع ينظم العلاقة بين الطرفين، وما ملامح هذا التشريع؟ وإلي أي مدي يمكن أن تكون الدولة طرفاً في إيجاد علاقة متوازنة بين الطرفين؟ ثالثا: هل يعد الربح الاقتصادي السبب الرئيسي لظاهرة امتلاك رجال الأعمال لوسائل إعلام مرئية أو مسموعة أو مكتوبة، أم أن هناك أهدافا أخري اجتماعية أو شخصية تكمن وراء الظاهرة، وهل هناك تدخل من أصحاب وسائل الإعلام في الإدارة، وهل عاد امتلاك وسائل الإعلام بالنفع علي رجال الأعمال المالكين لها، وهل للإعلانات المدفوعة دور في التأثير علي أجهزة الإعلام؟ هذه الأسئلة المهمة تم وضعها أمام كوكبة من الطرفين فضلا عن عدد من الشخصيات العامة ورجال الدولة. فقد كان هناك في الجلسة الافتتاحية الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية، والدكتور علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني الديموقراطي، والأستاذ عبداللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري نائبا عن أنس الفقي وزير الإعلام، فضلاً عن الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب الذي شارك في الجلسة الثانية للمؤتمر التي أدارها الكاتب الصحفي سعد هجرس. ومن رجال الأعمال كان هناك محمد فريد خميس رئيس مجلس إدارة شركة النساجون الشرقيون، ومحمد نصير رئيس مجلس إدارة شركة الكان القابضة، ونجيب ساويرس رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم تيليكوم، والدكتور حسن راتب رئيس مجلس إدارة قناة المحور الفضائية، وصلاح دياب العضو المنتدب لشركة بيكو وأحد ملاك جريدة "المصري اليوم" فضلاً عن معتز رسلان، ولولا زقلمة عضو مجلس إدارة مجلس الأعمال المصري الكندي. ومن رجال الإعلام والصحافة كان هناك ممتاز القط رئيس تحرير "أخبار اليوم" وأسامة سرايا رئيس تحرير "الأهرام"، ومجدي الجلاد رئيس تحرير "المصري اليوم". بينما أدار الحوار في الجلسات الثلاث للمؤتمر مفيد فوزي وسعد هجرس ولميس الحديدي. وعندما تلتقي مجموعة تضم هذه الأسماء فإن لنا أن نتوقع حواراً ساخناً ومثيراً بكل المقاييس. وهو ما حدث بالفعل.. وتفاصيل ذلك سبق نشرها في العديد من الصحف في الأيام الماضية، وبالتالي لا داعي للعودة للخوض فيها. لكن ما يلفت النظر أكثر من التفاصيل، ما هو خلفها. من ذلك استسهال الهجوم علي الصحافة والصحفيين وإذا كانت هذه "عادة قديمة" فإن الجديد فيها هذه المرة هو مشاركة صحفيين فيها. وهو ما حدث في الجلستين الأولي والثالثة. حيث شن الأستاذ ممتاز القط هجوما ضاريا علي الصحفيين، وعلي نقابة الصحفيين، متهما إياهم بتشويه صورة رجال الأعمال لأغراض شخصية. وإذا كان الأستاذ ممتاز القط يرأس تحرير صحيفة قومية فإن الأستاذ مجدي الجلاد الذي يرأس تحرير صحيفة خاصة، قد شاطره هذا الهجوم، وإن يكن من منطلقات أخري. أهمها تأثر عدد كبير من الصحفيين بتراث ثورة 23 يوليو التي بذرت بذور تشويه سمعة رجال الأعمال حسب قوله، فضلا عن الافتقار -في رأيه- إلي ثقافة الثروة. وأضاف الجلاد بعدا آخر للهجوم علي الصحافة، حيث "قرر" أنه لا يوجد صحفيون اقتصاديون في مصر، وأنه غير راض عن الصفحة الاقتصادية في جريدته "المصري اليوم" وأنه لا يجد صحفيا اقتصادا يتمتع بالكفاءة لإنقاذه من هذا المأزق، وذهب في اتجاه آخر إلي اتهام بعض المحررين الاقتصاديين بأنهم يحملون حقائب رجال الأعمال تحت مسمي "مستشار إعلامي"، ولم يسلم رؤساء تحرير الصحف القومية من هجومه حيث اتهم بعضهم بأنهم لا يصلحون محررين تحت التمرين، وأنهم يحتاجون إلي تأهيل مهني، ناهيك عن إفراده هجوما خاصا، وشخصيا، علي عبدالله كمال رئيس تحرير "روز اليوسف" في حين أن المؤتمر لم يكن المكان المناسب لذلك، كما أن عبدالله كمال لم يكن حاضراً. ورغم أن الصحفيين ليسوا فوق مستوي النقد، ورغم الاعتراف بسلبيات كثيرة وأوجه قصور متعددة في الساحة الصحفية، فإن النقد الذاتي شيء، وشن هذه "الحرب الأهلية" الصحفية في محافل عامة، وخارج البيت الصحفي، شيء آخر تماماً، ثم إن شن هذه الحرب الأهلية الصحفية في سياق مؤتمر يستهدف تحليل العلاقة بين رجال الأعمال ورجال الإعلام لا يخدم التوصل إلي بوصلة هادية للسير بين الأمواج العاتية لهذه العلاقة المعقدة. ومع ذلك فإن المؤتمر قد سلط الأضواء علي نقاط مهمة جدا، ولو أنه قد اقتصر علي طرح الأسئلة الصعبة المشار إليها آنفا لكان ذلك كافيا لنجاحه في دق الأجراس للتعامل الجدي مع الأبعاد المتداخلة والمتشابكة للعلاقة الثنائية بين رجال الإعلام ورجال الأعمال، في وقت يتعاظم فيه دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني وكافة مناحي المجتمع، وهذه العلاقة الثنائية -بدورها- لا يمكن إرساء دعائمها ووضع خطوطها الفاصلة في غياب الضلع الثالث المهم، ألا وهو الدولة.