كما في بداية رمضان كما في نهايته يبقي المسلمون في انتظار الإذن بالافطار أو بالصيام بعد الرؤية الشرعية بالعين المجردة. رغم تقدم الوسائل العلمية للرؤية ودقة حسابات علم الفلك وهو بالمناسبة علم حقيقي ليس له علاقة بالتنجيم وقراءة البخت ورؤية الطالع.. الحسابات الفلكية تحدد بدقة متي يظهر الهلال الوليد في بداية الشهر القمري وكم يبقي في الأفق بعد غروب الشمس وبالتالي هل يمكن رؤيته بالعين أم لا. أحيانا تكون العوامل الجوية سيئة بحيث تتعذر الرؤية بالعين المجردة ولكن الحسابات الفلكية تكون قد حددت توقيت الرؤية بالضبط قبل الشهر عن طريق الحسابات. المهم ان الرؤية البصرية بالعين المجردة كانت الوسيلة الوحيدة لمعرفة بداية الشهر القمري في أيام ظهور الإسلام وبداية فرض الصوم علي المسلمين.. كذلك ترتبط عبادة الحج بوقفة عرفات يوم التاسع من ذي الحجة وهو أيضا شهر قمري ولذلك يتعين تحديد أول الشهر ليمكن معرفة يوم الوقوف بعرفة. الخلاف بين علماء المسلمين حول إمكانية الأخذ بالرؤية العلمية لا يزال قائما فلا خلاف حول أهمية وضرورة الرؤية الشرعية فيما يسمي استطلاع الهلال ولكن العين تخدع خاصة إذا أكدت الحسابات استحالة الرؤية وهكذا يبقي المسلمون حائرين بين علمائهم الذين يقبلون والذين يرفضون الرؤية العلمية. علي أية حال تحديد أول الشهر وآخره مسئولية ولي الأمر في نهاية المطاف وهو -أي ولي الأمر- مسئول أمام الله سبحانه وتعالي عن بداية الصوم ونهايته والمسلمون يجب أن يلتزموا بتوجيه ولي الأمر وإلا عمت الفوضي فليس متصورا أن يصوم الناس ويفطروا حسب قناعتهم الشخصية بأن رمضان قد بدأ أو انتهي حسب رؤيتهم.. ولكن الأمر موكول لمن يكلفه ولي الأمر بذلك. وعلي هذا الأساس فإن المسألة كلها في النهاية تخرج من إطار الدين إلي إطار السياسة.. أي سياسة ولي الأمر ومن يكلفه بهذه المهمة فإذا كلف ولي الأمر مجموعة من الناس لا ترغب في الاعتراف بالرؤية العلمية فهم بالتالي سيعتمدون علي لجان الاستطلاع بالعين المجردة ويقررون ما إذا كانت الرؤية تحققت أم لا. وإذا كلف ولي الأمر جماعة تثق بالرؤية العلمية ولا تري أي تعارض بينها وبين الرؤية بالعين المجردة فإن الأمر يستقيم للحسابات الفلكية. المسألة إذن قرار سياسي من ولي الأمر. حقيقة صيام يوم زيادة أو يوم أقل لا يؤثر في الإنسان ولكن التماس وتحري الدقة مطلوب فإذا كانت وسائل التحري متاحة فلماذا نرفضها ولا نخشي علي مكانة علماء الرؤية من الانتقاص. العصر الذي نعيش فيه يتحمل فيه الإنسان كثيرا من المشاق ولا داعي أبدا لزيادتها بتعليق الصوم والافطار علي شعرة قد تتدلي من حاجب أحد الذين يستطلعون الهلال بالعين المجردة.