كان مجرد تردد اسم "مرسي مطروح"، بالذات في أيام الصيف شديدة الحرارة، مصاحباً لتداعيات مبهجة عن هذه البقعة الساحرة من أرض الوطن، والتي كانت هي وسيدي عبدالرحمن وقبل هوجة الساحل الشمالي وموضة مارينا، أجمل شاطيء وأجمل منتجع وأجمل ذكريات صيفية. ولكن للأسف الشديد.. فإن اسم مرسي مطروح اقترن في الأيام الماضية بكارثة مروعة حيث كانت مسرحاً لحادث مأساوي لاصطدام سيارة نقل مجنونة بقطار مشئوم عند مزلقان "فوكه" بالقرب من الضبعة. وأسفر الحادث عن خمسين قتيلاً ونحو أربعين مصاباً معظمهم في حالة حرجة! وهذه أرقام مروعة في حد ذاتها، لكن خطورة مغزاها تزداد وضوحاً إذا وضعنا في الاعتبار أن مصر أصبحت أكثر دول العالم تضرراً من حوادث الطرق. ووفقاً لتقرير مؤلم نشرته "نهضة مصر" أمس الأول في صدر صفحتها الأولي فإن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يؤكد أن عدد حالات الوفيات بسبب حوادث الطرق بلغ 8922 حالة في عام 2006/،2007 في حين بلغ عدد الإصابات 10 آلاف و995 حالة. تأملوا هذه الأرقام وأعيدوا قراءتها والتمعن فيها! إنها أرقام تفوق أرقام ضحايا الحروب. والأخطر أن هذا النزيف الذي لا يتوقف لدماء المصريين الأبرياء، الذين تزهق أرواحهم غدراً وغيلة ودون سبب وجيه، والذين يمكن أن أكون أنا أو أنت أحدهم دون ذنب أو جريمة، أسبابه معروفة وعلاجه موصوف، لكن لا شيء يحدث، وبعد كل مرة نذرف فيها الدموع علي الضحايا الأبرياء، نكفكف الدموع ثم ننسي حتي نفاجأ بمصيبة جديدة، ودماء جديدة وأحزان جديدة، دون أن تتم محاسبة أحد، وإذا ما جرت هذه المحاسبة فإنها في الأغلب لا تتجاوز البحث عن "كبش فداء" يكون في معظم الأحيان "موظفاً غلبانا" أما المسئولون الحقيقيون وأصحاب الحل والعقد والأمر والنهي فهم في مأمن من المساءلة.. ناهيك عن العقاب ومحاكمة "السياسات" التي أوجدت المناخ المواتي لوقوع "الحتمي" للحوادث ونزيف دماء المصريين علي أسفلت الطرق وقضبان القطارات. والأسوأ من تلك البلادة ان الأمور في حالة الكارثة الأخيرة التي كانت مرسي مطروح مسرحا داميا لها وصلت إلي أبعد حدود اللامعقول فلم نعد نكرر الشعارات المستهلكة إياها التي تعودنا عليها في الحوادث السابقة والتي تبحث كما قلنا عن كبش الفداء من صغار الموظفين الغلابة، بل وصلنا إلي أسفل القاع حيث قيل لنا علي صفحات أكبر صحيفة قومية في البلد إن "التحقيقات الأولية تكشف عدم وجود إهمال وأن الحادث قدري" كما نقلت صحف أخري عن اللواء سعد خليل محافظ مطروح قوله "ان الحادث قضاء وقدر" رغم انه أرجعه إلي عدم وجود فرامل في "التريللا" التي اصطدمت بالأتوبيس السياحي من الخلف. ومادمنا القينا كل أخطائنا علي شماعة القضاء والقدر، فليس هناك بالتالي مسئولية ولا مسئولين ولا محاسبة ولا مساءلة ولا يحزنون. إننا نظلم القضاء والقدر ونعلق علي شماعتهما أخطاءنا وخطايانا فليس ما حدث زلزالا أو بركانا أو تسونامي أو غير ذلك من صور نزق الطبيعة التي لا يتحمل البشر، حكاما أو محكومين، مسئوليتها "ولو أن البلدان المتحضرة أصبحت تحاسب حكوماتها علي مدي نجاحها من عدمه في تقليل آثار هذه الكوارث الطبيعية ومدي كفاءتها في إدارة الأزمة". باختصار.. الأسوأ من كارثة مرسي مطروح، تعليقها علي شماعة القضاء والقدر! [email protected]