لأنني "حمال أسية" كلمات عفوية عبر بها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي عن الوضع الراهن، الذي يسود العلاقات العربية - العربية، خاصة بعد أن تقرر تكليفه مجددا بمتابعة جهود المصالحة في لبنان، الذي يعيش "فراغا رئاسيا" منذ أكثر من أربعة شهور، وفي ضوء الكثير من التوترات التي اضيفت للهموم العربية منها السوري - السعودي ثم المصري - السوري مؤخرا. والحقيقة أن الأوطان والشعوب كلها "حمالة أسية" وليس موسي فقط الذي اعتبره وزير الخارجية السوري وليد المعلم "شعرة موسي" بين مختلف الطوائف والتيارات اللبنانية. "الغزل بين سوريا والسعودية رايح جاي خلال القمة" علي حد تعبير أحد الصحفيين في المؤتمر الصحفي الختامي للقمة "والغزل يحتاج طرفين" هكذا رد وليد المعلم عليه، وعندما يعاد ترتيب الحروف فيصبح الغزل آنذاك بالمعني العكسي "العزل"، وهذا كان تعليق موسي هذه التلغرافات المتبادلة بطريقة التورية تلخص الكثير من الحقيقة وتتابعت تلك اللغة الرمزية عندما قال عمرو موسي إن زمان كان الغزل من طرف واحد وسرعان ما رد المعلم عليه في لباقة وسرعة بديهة تنم عن لياقة بدنية خطابية عالية أن ذلك هو الغزل العذري، وأنه لا يؤدي إلي إنجاب، وما كان من الأمين العام إلا أن رد عليه لاستكمال المباراة بأن الغزل لما يكون متبادلا بين طرفين يؤدي إلي الإنجاب وقد يكونوا توائم. وليس جديدا علينا أن يقترن انعقاد القمم العربية بالسؤال المستمر حول قدرتها علي الاستجابة للتحديات والإشكالات التي تعرفها المنطقة، والخروج بقرارات تلبي طموحات شعوبها، لكن قمة دمشق العشرين في رصيد الوطن العربي أضافت خلافات قاسمة بين أطراف محددين في الثقل والوزن العربي برزت مؤشراتها السلبية منذ البداية وعكستها مواقف عدد من الدول العربية من حيث خفض مستوي المشاركة، ولا أبالغ لو اعتبرت أن ما أثر في السوريين بشكل فيه مرارة شعرنا بها جميعا خاصة كصحفيين مصريين هو غياب الرئيس مبارك وعلي الرغم من الرسالة التي تحوي الكثير من الرصانة والتهدئة التي عبر عنها مبعوثه وممثل مصر في القمة الدكتور مفيد شهاب من خلال الحرص في تصريحاته للإعلام علي التأكيد علي أهمية القمة وأن مصر لا تقاطعها وأنه لا يوجد موقف من انعقادها لأنه أمر مبدئي ولا تشكيك فيه وتحميل استمرار الأزمة اللبنانية المسئولية في اختلاف وجهات النظر المصرية والسورية، إلا أنه لم ينجح تماما في تبديد الغيوم التي تحيط بالعلاقة بين البلدين، ولعل الرئيس الجزائري ينجح في تخفيف الاحتقان خلال زيارته إلي مصر. وقد حرصت بدوري علي البحث في كواليس العلاقات بين دمشق والقاهرة لإجلاء أسباب اعتذار الرئيس مبارك في آخر وقت عن الحضور، خاصة في ضوء ما تردد عن خروج مظاهرة أمام السفارة المصرية صدرت منها أشياء لا تليق بالبلدين والقيادتين، وقد كتب عن ذلك الأستاذ مكرم محمد أحمد في عموده بالأهرام، وتناقشت مع الأستاذ مكرم بعدها فأكد لي نفس ما توصلت إليه بعد بحث وتحري شخصي ومن عدد مختلف من الأطراف وهو أن ما تم كان محدودا جدا ولم يتجاوز سبعة من الشباب الفلسطينيين الذين سرعان ما ألقت أجهزة الأمن السورية القبض عليهم وحققت معهم وهم علي ما أعتقد مازالوا رهن الاعتقال.. نعم الواقعة حدثت وهذا أمر ثابت لكنها في الإطار المحدود جدا وتمت المبالغة في تصوير حجمها كما تم تصويرها علي أنها بإيعاز من الجهات الرسمية السورية. وهو أمر مرفوض من حيث المبدأ تماما لأنها تتعرض لسيادة مصر ورموزها، لكن الجهات السورية نفت ذلك عندما طرحت عليهم سؤالي بهذا الخصوص بل وعبرت عن رفضها لأي شكل من الأشكال لأن تصل الأمور لهذا التردي، كذلك بعض الأطراف المصرية في السفارة بدمشق والمعنية بشئون العلاقات بين البلدين أكدوا أن ما حدث لا يعدو أن يكون تصرفا من عدد صغير من الأطفال الصغار وأن الأمن السوري فرقهم بسرعة واتخذ اللازم. وبقطع النظر عن هذه العثرات فإن مصر أكبر بكثير من هذه المهاترات والرئيس مبارك معروف بحكمته وهدوئه ورصانته، وأنه لا يستجيب بسرعة إلي أي استفزازات. لذلك هو قادر علي إدارة خلاف سياسي بالدرجة الأولي بالطرق الراقية التي تعودناها منه. إن العلاقة مع سوريا تاريخية وفيها لحظات من اقتسام الفرح والترح في كل الأحداث الوطنية التي مرت بها الأمة، ولحظات إنسانية أيضا تتقاسمها عائلات مختلطة بالآلاف نتجت عن زيجات عديدة أيام الوحدة المصرية السورية وبلدان يمثلان عمق الأمة العربية وقلبها الذي يحتاج دائما أن يكون نابضا وجسدها الذي لابد أن يكون بكل صحته وعافيته، ولنا في الاتحاد الأوروبي مثل حي علي إمكانية الاختلاف والتناقض احيانا دون أن تحيد المصالح المشتركة عن أهدافها. نعم الخلافات موجودة ولكن في هذه اللحظة الفارقة نحتاج إلي ثقافة جديدة لإدارة حوار بناء يخدم مصالح العرب، ويقوي وزنهم الدولي، ومصر لم تهرب إلي الأمام يوما مثل دول أخري.. حتي وقت الخلاف. بل عانت وقاست طويلا من القطيعة العربية بعد اتفاقية السلام وعادت إلي حضن الأمة وإلي قيادتها وريادتها دون أن تسعي إلي انتقام أو تصفية حسابات بل تجاوزت وطوت الملف بكل قسوته. وذلك هو قدر "الأخ الكبير" لابد أن يجسد القدوة في كل الأوقات وخاصة العصيبة منها.. ولعل الأسهل أن ندير الظهر ونركز في مصالحنا فقط لكن الأصعب والأصح أن نتحاور في الخلافات مهما كانت درجتها لأنه لا شيء يستعصي علي الحل والتفاهم خصوصا وأن الشارع العربي ينتظر الكثير بعد قمة دمشق، ولديه إدراك ووعي كبير بأن أطرافا ودوائر صهيونية وغربية معادية للأمة العربية تراقب ما يجري بشغف ولديها الرغبة في افشال أي تحرك عربي مشترك لتعرية العرب وإظهار تخلفهم وعجزهم أمام المجتمع الدولي والرأي العام الدولي وللمزيد من عزل سوريا عن محيطها العربي علي خلفية مواقفها المناوئة لتوجهات الإدارة الأمريكية ومشاريعها في العراق ولبنان وفلسطين وعلي خلفية دعمها لحركات المقاومة وموقفها من عملية السلام والتطبيع مع إسرائيل، وكذلك علاقاتها مع إيران، غير أن هذا كله يقتضي أيضا أن تسعي دمشق إلي توسيع المساحة المشتركة مع الدول العربية المعتدلة، والتي ضاقت في السنوات الأخيرة، لتوفير مقومات السعي إلي بناء مشروع عربي بدلا من أن تلحق بمشروع يحمل في طياته خطرا علي العرب بمقدار ما يطمح أصحابه إلي أن يكونوا هم القوة الإقليمية الأعظم في المنطقة، وهذه هي رسالة إيران إلي العرب، التي تكررها في كل مناسبة، علي نحو ما يتجلي في العراق. فهل تستطيع دمشق تجاوز تلك الخلافات؟ وهل تسعي إلي توضيح اللبس الأخير للقاهرة إذا كانت فعلا تكن الاحترام لمصر وأن الأمر لم يكن سوي سوء تفاهم تمت المبالغة في تصويره وانها لا تخلط الأوراق بين الخلاف في الرأي في القضايا وبين ضرورة احترام السيادة.. وكيف ستتعامل مع التحديات التي تعرفها المنطقة بصفتها رئيسة القمة خلال العام الحالي؟