تظل قضية عمل الاطفال في مصر تحتل مساحة كبيرة من اهتمام منظمات المجتمع المدني والمؤسسات العاملة في مجال حماية حقوق الاطفال، خاصة بعد تكرار الشكاوي من انتهاكات تقع بحق الأطفال العاملين في الورش والمصانع غير المرخصة وتقدر احصاءات غير رسمية من يعملون من الاطفال في مصر بما يزيد علي مليوني طفل. أطفال لايزيد عمر معظمهم علي عشر سنوات، تختفي ملامح وجوههم البريئة خلف السناج، بينما تغطي الشحوم والاتربة سترات تحمي اجسادهم الهزيلة من تقلبات الطقس، مشهد بات مألوفا لكل من يتعامل مع ورش الصناعات التقليدية كصناعة الأثاث أو اصلاح السيارات في احياء مصر المختلفة وعلي الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة أو من المجتمع المدني فإنها تبقي خطوات تسير علي استحياء تسير في بعض الاحيان وتعثر في أحيان اخري بسبب نقص التمويل وغياب الثقافة عن المجتمع الذي مازال يخضع لعادات وتقاليد متوارثة اصابها التهالك الشديد مع التغيرات المستمرة فعدد مراكز الطفل العامل في مصر كان في يوم من الايام 14 مركزا قد لانسمع سوي عن بعضها والبعض الآخر تهالك ان لم يكن اختفي بسبب قلة التمويل وغياب الثقافة لدي العاملين في هذه المراكز الامر الذي يؤدي في كثير من الاحيان إلي وأد هذه التجارب في مهدها وقبل ميلادها فكثير منها توقف بسبب قسوة القائمين هناك علي الاطفال وتعرضهم للسباب بصورة اقسي من الواقع واحساس الطفل بأنه يعامل من منطلق التجربة والتعالي عليه وعلي ظروفه التي جعلته في هذا المنعطف الخطير وليس باختياره. "الأسبوعي" اختار احد هذه المراكز والذي يعتبر من بقاياها وتشرف عليه د.مني صادق صاحبة الفكرة والتي حصلت علي الدكتوراه في حماية حقوق الطفل العامل في مجتمعه المحلي واكمل مشوارها الرائد في هذا المجال الدكتور أحمد عبدالله والذي انشأ مركز الجيل للدراسات الشبابية والاجتماعية وهو من اصدر أول تقرير بشأن الطفل العامل لمنظمة العمل الدولية وذلك بانشائه المركز الاخيرة. الزيارة بدأت عند دخولنا منطقة العمرانية الشرقية في أحد الحارات والأزقة التي اختارتها الدكتورة مني صادق لتتوسط اكبر تجمع للورش والذي يعج بالاطفال العاملين ولدي دخولنا إلي الشقة الصغيرة في أحد العمارات السكنية والتي يشعر فيها بالاحتواء كل من يدخلها عندما يشاهد الأطفال والشباب وهم يعشيون اجواء من الحب بين هذه الجدران والتي حرمتهم منها الطبيعة القاسية وعوامل التعرية التي تعرضوا لها قبل الآوان فبين هؤلاء الأطفال لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات وشباب بدأت علاماته تغزو ملامحهم ومازالوا يتشبثون بما بقي لهم من أيام الطفولة محاولين استعادة جزء من حقوقهم التي سلبتها الأيام والليالي الظلماء. تجربة حية أوضحت الدكتورة مني صادق أن المشروع بدأ دوره بعد مرحلة تمهيدية في مشروع "الطفولة الجزئية للطفولة العاملة" بمركز الجيل للدراسات الشبابية والاجتماعية لمدة عامين من عام 1996 وحتي 1998 ثم بدأ مركز الطفل العامل ومجتمعه المحلي نشاطا ميدانيا في منطقة الفواخير لمدة عام وثمانية أشهر في مكان متواضع الامكانات لايتكون سوي من غرفتين وبلكونة في قلب منطقة العمل والسكن المستهدفة واستوعب المقر نحو 60 طفلا وطفلة ممن يعملون في صناعة الفخار البلدي والسمكرة والدوكو إلي جانب بعض الفتيات اللاتي يساعدن اهلهن في منازلهم وبعضهن عاملات في البيع في الشوارع والاخريات يحترفن التسول في المناسبات الدينية وذلك خلال الفترة من 1998 وحتي 2000 ثم توقفنا بسبب ضيق الموارد المتاحة في ذلك الوقت واعدن افتتاحه مرة اخري في أكتوبر من عام 2002 بجوار منزل كوبري العمرانية الجديد وهي من أكبر مناطق القاهرة الكبري المزدحمة بظاهرة عمالة الاطفال وتم اختيارها بعد القيام بمسح جغرافي شامل للمنطقة. وتلتقط اطراف الحديث فاتن سعيد الزائرة الميدانية في المركز والتي تقول إن اصعب تحد يواجهها هو استقطات الاطفال من الورش المحيطة ففي البداية واجهنا صعوبات خاصة بقبول الفكرة ولكن نجحنا في ذلك إلا أن المشكلة القائمة حاليا هي عدم ثبات العمالة فهم كثيرو التنقل وبالتالي قد يفقدنا ذلك الكثير من الجهود التي نبذلها في المنطقة وعموما نجحنا في جذب المزيد من الاطفال لدينا فعملنا فقط لا يتركز في الطفل وانما نتصل باسرته ونعمل علي الاختلاط والتغلغل داخل الأسرة وحل اي مشاكل تواجهة فنحن عملنا لا يحمي فقط الطفل العامل بل يمتد الي الشق الثاني منه وهو مجتمعه المحلي ونجحنا في التواصل مع اهالي الاطفال ووجدنا رغبة كبيرة من قبل الأمهات للتعاون من خلال جهود محو الأمية من خلال اليرنامج الذي يقدمه المركز في هذا الاطار.