يبدو أن الحكومة ستعيد النظر في العديد من قراراتها في ظل التطور المتعلق بمعدل التضخم والذي تمثل في معاودته الارتفاع مرة أخري حيث شهد قفزة نهاية الشهر الماضي ليصل الي 10.5% مقابل 6.9% في الشهر السابق عليه، وعلي الرغم من أن كثيرين ينظرون بريبة لهذه الأرقام إذ يعتقدون أن معدل التضخم أعلي بكثير من هذا الرقم إلا أنه حتي في حالة الاقرار بالمعدل الحالي وهو 10.5% فانه في نظر الكثيرين يعد رقما كبيرا ومع وجود توقعات قوية بزيادة المعدل خلال الفترة القادمة في حالة استمرار ارتفاع اسعار المواد الغذائية فإن هذا الأمر كفيل بإحداث نوع من الارتباك للجميع. فالبنك المركزي يعد واحدا من أكبر المتضررين من ارتفاع معدل التضخم فهو مجبر علي رفع أسعار الفائدة لعدة اعتبارات علي رأسها الحفاظ علي سعر فائدة موجب علي الودائع، ووزارة المالية من أكبر المتضررين أيضا حيث إن ارتفاع معدل التضخم يعني ارتفاع أسعار الفائدة علي الودائع بالبنوك ومع حدوث هذا الارتفاع فإنه سيلقي بعبء اضافي علي الموازنة العامة للدولة حيث إن الحكومة تعد أكبر المقترضين من القطاع المصرفي. والحكومة بشكل عام متضررة بشكل قوي من ارتفاع معدل التضخم فهي مجبرة علي تحسين دخول المواطنين وزيادة الدعم لمواجهة الآثار السلبية الخطيرة والناجمة عن ارتفاع التضخم. وبسبب خطورة هذا الوضع فقد تحركت الحكومة لمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن ارتفاع التضخم إلي 10.5%. وكان د.أحمد نظيف رئيس الوزراء قد أكد مؤخرا إن الحكومة تطلع البنك المركزي علي رغبتها في رؤية معدل التضخم يتراجع إلي ما بين 6 و7% بعدما قفز إلي 5.10% علي أساس سنوي بنهاية يناير الماضي. وقال نظيف ان هذا هو هدف الحكومة في المشاورات مع البنك المركزي الذي يسيطر علي السياسة النقدية خلال اجتماعات تجري كل ستة أسابيع. وذكر نظيف ان رفع سعر الفائدة كأحد السبل لتحقيق معدل التضخم المستهدف لكن المتحدث باسم الحكومة د. مجدي راضي قال ان الحكومة لا تملي علي البنك المركزي ما ينبغي أن يفعله. وقال راضي: ان البنك المركزي سيستخدم الأدوات المتاحة لديه وأسعار الفائدة احدي تلك الوسائل. ويقول محللون: انه من شأن القفزة التي شهدها معدل التضخم الشهر الماضي أن تجعل من الصعب علي الحكومة خفض الدعم الذي تقدمه للسلع الرئيسية كالاغذية والمواد التمويتية وغيرها وقد تعقد المراحل التالية من برنامج التحرير الاقتصادي من المتوقع منه ان يساعد علي تحقيق معدل نمو قوي تستهدفه الحكومة. وقال مسئولون بالحكومة: انها تبلغ البنك المركزي رغبتها في رؤية معدل التضخم يتراجع الي نطاق مستهدف تم الاعلان عنه في وقت سابق وهو ما بين 6 و8%. وكانت الحكومة قد خفضت من ضريبة الدخل والتعريفات الجمركية وباعت شركات مملوكة للدولة مما ساعد الاقتصاد في العام الماضي علي النمو بأسرع معدل له فيما لا يقل عن 20 عاما لكن زيادة التكامل مع الاقتصاد العالمي ساهمت أيضا في ارتفاع التضخم مما أثار استياء شعبيا من سياسة التحرير الاقتصادي. وسارع مسئولون بالدولة بالقاء اللوم علي ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا وهو ما تسبب في إحداث قفزة في معدل التضخم ليصل الي 5.10% علي أساس سنوي في يناير الماضي بعد تراجع مطرد منذ سبتمبر الماضي. ومن جانبه رفع البنك المركزي في فبراير الجاري أسعار الفائدة للمرة الاولي فيما يربو علي عام ونصف العام للمساهمة في علاج هذا الوضع الطارئ وكانت لجنة السياسة النقدية قد رفعت أسعار الفائدة لليلة واحدة بواقع 25 نقطة اساس في اخر اجتماع لها في الثامن من فبراير الماضي لتصل الي 9% علي الايداع و11% علي الاقراض للبنوك. ومن المقرر ان تعقد اللجنة اجتماعها العادي القادم في 20 مارس القادم. وقال سايمون كيتشن كبير الاقتصاديين بالمجموعة المالية- هيرميس ان ارتفاع التضخم في مصر يجعل خفض الدعم أكثر خطورة من الناحية السياسية لكن ارتفاع الاسعار العالمية يجعله ضروريا أكثر من أي وقت مضي من الناحية المالية. ورصدت مصر 80 مليار جنيه (6.14 مليار دولار) للدعم في ميزانية السنة المالية التي تنتهي في يونية 2008 أي حوالي 9% من الناتج المحلي الاجمالي المتوقع للبلاد.وقد يصرف الدعم الذي يوجه معظمه الي منتجات الطاقة مثل البنزين والديزل الحكومة عن هدفها لخفض عجز الميزانية الي 3% من الناتج المحلي بحلول 2010-2011 لكن خفض الدعم سيثير غضب المصريين العاديين الذين يقول الكثيرون منهم: انهم لم يستفيدوا من نمو الاقتصاد. وقال ريتشارد فوكس المحلل بمؤسسة فيتش للتصنيفات الائتمانية انه بالنظر الي التكلفة الاجمالية لدعم الطاقة في الميزانية فان الغاءه تدريجيا مكون أساسي لسياسة الانضباط المالي في مصر وانه من الواضح أن الامر سيكون أكثر صعوبة اذا كان التضخم مرتفعا.