كيف ينظر الخبراء والمعنيون بالعلاقات الاقتصادية الدولية إلي المبادرة المصرية لإعادة هيكلة المساعدات الاقتصادية الأمريكية في مصر بتحويلها إلي وديعة أو صندوق مشترك مصري أمريكي تتم إدارته من خلال لجنة ثنائية؟ كانت حصيلة الإجابات تصب في اتجاه التركيز علي التجارة والاستثمار مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبرر الخبراء ذلك بأن أضرار المعونة الأمريكية أكثر من فوائدها، كما أن الاقتصاد المصري وصل إلي مرحلة يمكنه الاستغناء عنها، بما يتطلب تجاوزها والاتجاه نحو شراكة حقيقية مع أمريكا تستهدف تحقيق التنمية الكاملة في مصر وخاصة الاقتصادية عبر بوابة اتفاق متوازن للتجارة الحرة بلا شروط. وكما يري د. محمود عبد الحي مدير معهد التخطيط القومي السابق وأستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية فهو من المؤمنين بشدة بضرورة الاستغناء عن المعونة الأمريكية في أقرب وقت ممكن.. لأن أضرارها أكثر من فوائدها.. ولأن المساعدات الاقتصادية والعسكرية والمنح التي لا ترد لا تقدمها الدول من باب التفضل، بل تقدمها لتحقيق أهداف سياسية ومصالح وبحسابات بالغة الدقة والتشدد، خاصة إذا كانت الدولة المقدمة للمعونة هي الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأضاف د. عبد الحي: كلنا قد شاهد قرار الكونجرس الخاص بتجميد مبلغ 200 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية، والذي لم يحسم بعد وهذا القرار يعد تدخلا بشكل أو بآخر في شئون مصر الداخلية، وعلي هذه الخلفية يؤكد د. عبد الحي رفضه للمشروع الذي أعلن مؤخرا من جانب وزارة التعاون الدولي.. والذي يقضي بإعادة هيكلة المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر.. والتي تقدر بحوالي 415 مليون دولار وتحويل المساعدات إلي صندوق مشترك أو وديعة مصرية أمريكية تحدد قيمتها بموجب المفاوضات، ويفسر رفضه بأن صاحب الوديعة سيكون له بالتأكيد شروط يمكن أن تنتقص من السيادة الوطنية، خاصة وأن المشروع المصري المعلن يقترح تكوين لجنة إدارة مشتركة للصندوق لمراقبة عمليات الإنفاق!! العباءة الأمريكية ويدعوا د. محمود عبد الحي إلي ضرورة أن تخرج مصر وفي وقت قريب من عباءة برنامج المساعدات الاقتصادية بشكل كامل.. خاصة بعد زيادة حجم استثماراتها الأجنبية وتخطيها لرقم ال 11 مليار دولار وزيادة الاحتياطي الدولاري.. وزيادة الصادرات البترولية والسلعية.. ووصول معدل التنمية لأكثر من 7% وهو رقم واقعي أصدقه تماما. ويشير إلي أن مصر لا يجب أن نخضع لأية ضغوط خارجية لأن المعونة لا تشكل ثقلا أساسيا يؤثر علي هيكل الاقتصاد المصري.. إلي جانب أن لديها القدرة حاليا علي شراء القمح مباشرة بفتح اعتمادات استيرادية بالنقد الأجنبي بعد أن أتاح لها الإصلاح الاقتصادي المتواضع أن تتخلص من جميع الضغوط المرتبطة بعمليات شراء القمح والبقوليات. كما يلفت أيضا إلي أن مصر قد أصبحت لديها القدرة علي سداد ديونها لأمريكا التي تقترب من 4 مليارات دولار حسبما هو معلن وبالفعل هي تسدد سنويا 350 مليون دولار من هذه الديون، ويتساءل: ما الداعي إذناً لتحويل هذه المساعدات الاقتصادية المحدودة إلي وديعة تضع فيها مصر قدرا من التمويل المحلي يساوي حجم التمويل الأمريكي.. ينفق من عائدها علي مشروعات يتم تحديدها من جانب الطرفين.. وبالطبع سيكون من بينها منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان.. ومسألة نشر الديمقراطية وتمكين المرأة!! ويؤكد أن البديل المطلوب هو مناخ جديد في علاقات البلدين يعتمد أساسا علي التجارة والاستثمار ويعفي مصر من أية ضغوط قد تتعرض لها من دولة كبري تنفرد بالهيمنة علي العالم، مشددا علي أن أمريكا كانت المستفيد الأكبر من هذه المساعدات، لأن جزءا كبيرا منها كان يعود بشكل مباشر علي جيوب الشركات والمصانع الأمريكية والسفن المرتفعة التكلفة.. إلي جانب جيوب الخبراء الأمريكيين!! ويدعو د. عبد الحي إلي عقد اتفاق تجارة حرة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ليكون بديلا مهما لمسألة المساعدات الاقتصادية مشيرا إلي ضرورة الانتقال الي مرحلة جديدة في العلاقات قوامها الاساسي هو التجارة والاستثمار، ويري أن التوقيع علي اتفاق تجارة حرة مع أمريكا يعتبر أمرا مهما لتحقيق التوازن في المنطقة في ظل توقيع أطراف أخري في منطقة الشرق الأوسط علي مثل هذه الاتفاقية مثل الأردن وإسرائيل. المطلوب من أمريكا ويتفق في ذلك كل من الدكتور حازم ياسين استاذ المحاسبة بالجامعة الأمريكية والدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير مركز الاقتصاد الاسلامي بجامعة الأزهر مع معظم ما طرحه د. عبد الحي وأشارا إلي ضرورة الاستعناء عن المعونة الأمريكية في أقرب وقت ممكن.. خصوصا وأن الإدارة الأمريكية كانت قد طرحت تخفيض المساعدات الاقتصادية لمصر بعد عام 2008 علي مدي خمس سنوات بمقدار 200 مليون دولار من اجمالي المساعدات الحالية التي تصل الي 415 مليون دولار. ويوضح الخبيران ان تحويل المساعدات الأمريكية إلي وديعة مصرية أمريكية.. يمكن أن يعرض مصر لمزيد من الضغوط. كما يطالب بضرورة الانتقال الي المرحلة الجديدة في العلاقات بين البلدين نقوم اساسا علي اتفاق تجارة حرة، ويشيرا الي ان مصر يجب أن تنظر للولايات المتحدة كشريك في التنمية الاقتصادية.. وتتوقع منها استكمال هذا الدور المساند بما يساهم في الاسراع في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الداخلية وتنمية العلاقات الثنائية بالانتقال من الاعتماد علي المساعدات الي مرحلة تحقيق الاستفادة الكاملة للاقتصاد المصري من خلال توقيع الطرفين علي اتفاق تجارة حرة. كما يؤكد الدكتور حازم ياسين علي الأهمية القصوي لتوقيع مثل هذه الاتفاقية خاصة بعد توقيع مصر علي اتفاق مشاركة مع الاتحاد الأوروبي ودخولها في منطقة الكوميسا ومنطقة التجارة العربية وذلك من أجل الحفاظ علي تنوع العلاقات الاقتصادية الخارجية ومنع تركزها مع الاتحاد الأوروبي. شراكة في التنمية ومن جانبه يدعو د. بكري عطية عميد كلية العلوم المالية والمصرفية السابق الي ضرورة الاستغناء في أقرب وقت ممكن عن هذه المعونة.. كما يدعو إلي عدم الربط بين إنشاء منطقة تجارة حرة مع أمريكا وبين تحسين المناخ السياسي وتعديل بعض مناهج التعليم وتمكين المرأة سياسيا لأن هذه شئون مصرية داخلية.. ويشدد علي ضرورة أن تنسي مصر مسألة المعونة أو تحويلها الي وديعة.. وتنظر للولايات المتحدة كشريك في التنمية الاقتصادية.. وتطالبها باستكمال هذا الدور بدون فرض أي شروط سياسية.. لكي تتمكن من التحول في علاقتها مع أمريكا من المعونة الي التجارة والاستثمار. أما فاروق مخلوف الوزير التجاري المفوض السابق بوزارة التجارة والصناعة فيري أن حجم المعونة لا يشكل ثقلا اساسيا يؤثر علي هيكل الاقتصاد المصري. وقال: إذا أردنا أن ننهض بمصر اقتصاديا وتنمويا، فلابد من وضع خطط عشرينية مدتها عشرون عاماً للتنمية مثلما فعلت ماليزيا.. والاهتمام بتجارة مصر مع الدول العربية وإزالة جميع المعوقات من أمامها وخاصة تلك التي تتعلق بغياب الإرادة السياسية والنظرة الضيقة للحكومات العربية ولصانعي السياسات الاقتصادية!