سيناريوهات عديدة احاطت بسوق مواد البناء في مصر مؤخرا في محاولة من وزير التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد للسيطرة علي جموح الاسعار التي يشهدها هذا السوق الحيوي والذي يرتبط بصناعة تمس حياة كل مواطن وهي صناعة التشييد والبناء. واذا كانت اسعار مواد البناء زادت كما اكد الخبراء خلال الثلاث السنوات الاخيرة بنسبة تتراوح بين 30 و 300% يصل نصيب ارتفاع سعر الحديد الي حوالي 100% بينما يحتل الاسمنت المركز الاول في ارتفاع اسعار مواد البناء بنسبة تصل ل 300% لذلك جاء تركيز الحكومة علي محاولة ضبط اسعار الاسمنت والحديد. وقد يكون قرار الحكومة بالتصدي لجنون اسعار الاسمنت قد جاء متأخرا وبعد ان تسببت الحكومة في هذا الارتفاع بقرارها طرح شركات الاسمنت للخصخصة عام 1996 وما تبعه من تهافت الاجانب للسيطرة علي سوق الاسمنت في مصر صمت سيطرت لشركات متعددة الجنسيات علي اغلب شركات الاسمنت فنجد الامثلة كثيرة منها لافارج تيتان والتي تمتلك نحو 95% من رأسمال شركة بني سويف للاسمنت بالكامل وسيمنس المكسيكية التي تستحوذ علي 96% من اسمنت اسيوط وسيمور البرتغالية التي تستحوذ علي 100% من اسهم شركة العامرية وشركة البورج التي تستحوذ علي اكثر من 50% من سيناء للاسمنت الابيض وشركة فيكان التي تمتلك 29% من شركة سيناء للاسمنت العادي في حين لم يتبق لدي الدولة سوي شركة واحدة تتبع قطاع الاعمال العام وهي القومية للاسمنت. ونتيجة لكل ذلك قفز سعر الاسمنت من 190 جنيها للطن قبل الخصخصة الي حوالي 420 جنيه للطن احيانا ومؤخرا بدأت الحكومة تنتبه لمأزق الاسمنت وجاءت محاولة وزير الصناعة المهندس رشيد بفرض رسم صادر 60 جنيها علي كل طن اسمنت ثم زيادة هذا الرسم الي 85 جنيها وذلك في محاولة لزيادة ربحية السوق المحلي مقارنة بالتصدير مما يؤدي لوفر العرض المحلي وهبوط السعر ومع ذلك لم تجد هذه المحاولة والتي تم مقاومتها من جانب المنتجين ولكنها كانت بداية التلويح لهم بأن السوق الحرة ليست معناها ان يتحكموا في سلعة استراتيجية مثل الاسمنت وان الدولة لديها آليات للتدخل لضبط السوق واعمال قواعد المنافسة. وجاء الاعلان عن فتح الباب للحصول علي تراخيص جديدة لمصانع الاسمنت وقبل انعقاد اول مزاد للتراخيص تمت احالة شركات الاسمنت الي النائب العام بتهمة اتباعهم لممارسات احتكارية . وكذلك تم الاعلان عن منح التراخيص لاقامة مصانع جديدة للحديد ومن المتنظر ان يبت جهاز المنافسة ومنع الاحتكار في ملف الحديد قبل انتهاء ديسمبر المقبل. اجراءات للتصدي وعلي الرغم من ان هدف الحكومة من هذه الاجراءات هو التصدي لانفلات اسعار هذه السلع الا ان الخبراء قد ابدوا تحفظهم من تفريغ تلك القرارات من هدفها الاساسي وامكان الالتفاف حولها. واكد العديد من العاملين في سوق مواد البناء ان الزيادات المتتالية في اسعار الاسمنت لم يكن لها مبرر وخاصة في ظل انخفاض متوسط اجر العاملين في مصر مقارنة بغيرهم من الدول وكذلك في ضوء ان المجتمع يعتبر مشاركاً في تكلفة اقامة كل مصنع اسمنت علي ارض مصر بما يمثله هذا المصنع من مصدر للتلوث يؤثر علي صحة المواطنين ولا يخفي علي احد ان الدول الرأسمالية اصبحت ترفض صناعة الاسمنت وتعتبرها من الصناعات القذرة التي تهدد البيئة والصحة العامة ولذلك تصدر هذه الصناعة الي الدول النامية والمؤسف ان تصبح مدينة مثل حلوان والتي كانت تعتبر مصحة طبيعية للاستشفاء الي مدينة ملوثة بفعل مصانع الاسمنت المقامة بها وهذا ما اكده البنك الدولي حيث اشار في تقرير له الي ان خسائر مصر بسبب التلوث الصناعي بلغت 20 مليار دولار سنويا يتحملها الشعب المصري في حين تحقق شركات الاسمنت الارباح الخرافية. واما عن قرار الحكومة بإحالة شركات الاسمنت للنائب العام للتحقيق معهم بتهمة القيام بممارسات احتكارية فقد تحفظ الخبراء علي اهمية هذا القرار واكدوا انه حتي في حالة ثبوت التهمة علي شركات وتغريمها 10 ملايين جنيه كما يقضي القانون فان هذا المبلغ لايساوي شيئا يذكر بالنسبة للارباح التي تحققها هذه الشركات من ممارستها الاحتكارية وتلاعبها بالاسعار.