عندما اتخذ البنك المركزي والحكومة قرار طرح بنك القاهرة للبيع تم الاحتفاظ به في الادراج حتي نشرته الصحف، وبين نفي وتبرير اعترفت الحكومة بقرار البيع وبرر بعض المسئولين ذلك بأنه كان يتطلب السرية لانهاء بعض التعاملات الخارجية للبنك. وبغض النظر عن مدي معقولية ذلك التبرير تفتح العالم اليوم "الاسبوعي" ملف "السرية في القرارات الاقتصادية".. متي يمكن فرض السرية عليها.. ومتي يكون غير ذلك يحمل معاني أخري تندرج تحت بند "عائلة المصالح".. او السلوك الاقتصادي غير الرشيد؟ وبدون ان تتدخل طرحنا السؤال علي خبراء من قطاعات وخبرات مختلفة وهكذا كانت الآراء متطابقة في جوانب ومتباينة في أخري: في البداية يؤكد الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء الاسبق اهمية الأخذ بمبادئ الشفافية والصراحة والافصاح في مختلف القرارات الاقتصادية ويوضح ان هناك حالتين فقط يمكن السماح فيهما بالسرية والكتمان وهما في حالة اتخاذ قرار بتعديل التعريفة الجمركية حيث ان الاعلان في هذه الحالة سيؤدي إلي ظهور تلاعب في السوق وستختفي سلع وستظهر أخري والحالة الثانية هي الإقدام علي رفع الاسعار لسلع معينة لأن معرفة القرار مسبقاً ستدفع التجار لتخزين هذه السلع والسعي لاستغلال الموقف بحثاً عن المكسب، وفي غير هاتين الحالتين فلابد من الالتزام بالشفافية والافصاح في القضايا الاقتصادية. كما يوضح رئيس الوزراء السابق انه من المفترض ان يتم طرح أي قوانين او قرارات ولوائح اقتصادية جديدة علي المجتمع الاقتصادي وعرضها بكل شفافية ومصداقية سواء علي رجال الأعمال والمستثمرين لأنهم أصحاب مصلحة والأكثر تأثراً بهذه القرارات والقوانين ويقول: الاقتصاد الحر يعني الالتزام بالشفافية والافصاح. المبرر الواضح ويفرض الدكتور فرج عبد الفتاح استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع مبدأ السرية والتكتم في القرار الاقتصادي ويقول: انا لست مع السرية دون ان يكون لها مبرر واضح مشدداً علي أهمية الالتزام بالشفافية والافصاح في جميع القوانين والقرارات الاقتصادية التي يتم اتخاذها ومن الضروري ان تخضع هذه القوانين واللوائح لمناقشات موسعة من قبل مؤسسات المجتمع المدني ورجال الأعمال والجهات المعنية حتي تخرج هذه القرارات والقوانين معبرة أصدق تعبير عن الواقع الفعلي ومعالجة الأمور بما لا يفتح أي مجال لإيجاد ثغرات قانونية أو اقتصادية نحن في غني عنها. ويوضح الدكتور عبد الفتاح ان مسألة السرية والعلانية في القرارات الاقتصادية قد تتوقف علي طبيعة القرار الاقتصادي ذاته، ومادام هناك قرار فلابد ان تكون هناك علانية فور صدوره ولكن يمكن قبول مبدأ السرية في حالات بعينها ومنها مرحلة إعداد القرار حيث تتسم هذه الحالة بالسرية والتكتم لان الكشف عن الاجراءات التي سيتم اتخاذها يؤثر علي الاوضاع القانونية للمتعاملين مع هذه القرارات علي سبيل المثال فلا يمكن الاعلان عن النية لاتخاذ اجراءات تعديل للتعريفة الجمركية حتي لا يكون هناك استغلال او اهتزاز في المراكز القانونية المتعلقة بالمصدرين او المستوردين بما ينعكس علي عموم المستهلكين، وكذلك في حالة السعي لادخال منتجات جديدة او الدخول في صفقات معينة فلابد من الالتزام بالسرية التامة حتي تستكمل الصفقة بعيدا عن المنافسين والتعتيم هنا هو احدي سمات الاقتصاد الحر واكد فرج علي ان قواعد الافصاح والشفافية والادارة الرشيدة مطلوبة كآلية في التعامل في ظل التطورات الاقتصادية الحالية. السيئات ومن جهته يؤكد د.علي شاكر رئيس هيئة التمويل العقاري سابقا علي أن سياسة التعتيم والسرية في بعض القضايا هي احدي المساوئ الموجودة في الاقتصاد المصري حاليا، مشيرا إلي عدم وجود أي مزايا اضافية للسرية او اخفاء المعلومة الاقتصادية. ويلفت الدكتور شاكر إلي أن الجو العام في الاقتصادات العالمية أنها تلتزم بالشفافية والافصاح ولا تعترف بالسرية وابسط هذه الامور تظهر بشكل واضح في قواعد التعامل مع البورصة حيث تلزم جميع الشركات بالشفافية والوضوح وعدم اخفاء المعلومات المهمة بما يؤثر بشكل أو بآخر في السوق. ويشير إلي أن دخولنا إلي العالم الاقتصاد الحر يلزم علينا التخلي عن سياسات التكتم والتعتيم والالتزام بقواعد الشفافية والافصاح نظرا لحجم الايجابيات التي تنعكس منها، مشيرا إلي أن التعتيم والسرية من سمات الاقتصادات الشمولية ويتم استخدامها لأهداف معينة ومنها مثلا العمل علي ارساء مناقصات او مشروعات معينة إلي جهات اقتصادية بعينها.