قديما لم يكن أحد يفكر ولو للحظة أن يكون الدواء الذي سيتناوله ليتعافي من المرض هو المرض نفسه لأنه مغشوش.. ومع زيادة أصحاب الضمائر الغائبة تحول غش الأدوية إلي ظاهرة عالمية ومحلية.. وانتشرت الأدوية المغشوشة ومنتهية الصلاحية وقدر البعض سوق الدواء المغشوش في مصر بحوالي 500 مليون جنيه سنويا. الرقم المخيف دفع "الاسبوعي" إلي متابعة تلك القضية ومحاولة الكشف عن حجم الاقتصاد الخفي فيها. أكدت د. هديل سري طبيبة صيدلانية أن ارتفاع اسعار الأدوية وعدم مقدرة بعض المرضي في الحصول علي الدواء بسبب الظروف المادية فتح سوقا موازيا لسوق الدواء الرسمي ولكنه سوق قائم علي الغش والتزوير بدءا من الحصول علي الأدوية منتهية الصلاحية وإعادة تغليفها من جديد وحتي استبدال الدواء بمواد أخري مثل الجير وبعض الصبغات. وعن الطريقة التي تصل بها تلك الأدوية للصيدليات اشارت د. هديل إلي أن أي شخص يمتلك مبلغا من المال يقوم بعمل مخزن للدواء ويتعامل مع أصحاب النفوس المريضة ممن يقومون بتصنيع أدوية مغشوشة في مصانع بير السلم وبعض اصحاب الصيدليات وذلك للحصول علي ربح سريع دون النظر إلي صحة المريض. طالبت بوضع ضوابط رقابية مشددة علي الشركات ومراكز التوزيع وانتاج الدواء خاصة مايسمي "بالبونص التصاعدي" لأصحاب المخازن وهو ما يعني أن كل من يشتري بألف جنيه يحصل علي ما قيمته 250 جنيها أدوية مجانا ومن يشتري ب10 اَلاف جنيه تصل قيمة البونص إلي 3 اَلاف جنيه وتلجأ إليه الشركات في حالة عدم توافر سيولة مادية لديها فتقوم بتقديم هذا العرض الذي يسمح بدخول الدواء المغشوش إلي المخازن وسط أدوية لكبري الشركات دون وجود فواتير رسمية. شكل الدواء وعن كيفية معرفة الدواء المغشوش أكد مصطفي شمس الدين مدير احدي الصيدليات أن هناك علامات نستطيع بها الكشف عن الدواء المضروب وهي شكل العلبة ورقم التشغيلة ورقم الكود والذي نقوم بإدخاله إلي الكمبيوتر عن طريق برنامج خاص بالصيدليات مسجل عليه أكواد جميع الأدوية الخاصة بالشركات فإذا كان الدواء مغشوش أو مزيف فإن البرنامج يرفض الكود. اشار إلي أن بعض الصيادلة ممن يخالفون ضمائرهم يتعاملون في الأدوية المغشوشة وهم علي علم ودراية كاملة بمخاطره ولكن رغبتهم في تحقيق الثراء السريع تمنعهم من التفكير فيما قد يحدث لمريض يتناول دواء منتهي الصلاحية أو مواد أخري لا علاقة لها بالدواء من الأساس. من جانبه أكد د. رؤوف حامد رئيس الهيئة القومية للرقابة الدوائية أن الفساد ينتشر طبقا للظروف المجتمعية من عرض وطلب مشيرا إلي أن سد الاحتياجات الدوائية الاَن أعلي من ميزانية المريض لذلك يلجأ للدواء الأرخص دون النظر للشركة المنتجة، مؤكدا أن مخازن الأدوية تعد أكبر دليل علي ظاهرة الفساد المنتشر في قطاع الدواء حيث أنها وسيلة سهلة للتربح. وعن دور الهيئة في الرقابة علي تزوير الدواء اشار إلي أن دورها فني حيث تقوم بالكشف عن المادة الفعالة في الدواء لكن العبء الأكبر علي حد قوله يقع علي الادارة المركزية للصيدلة والمتاح لها التفتيش علي مصادر الدواء وعليها عبء الكشف عن أي خلل أو غش للدواء. أكد د. أسامة السعدي رئيس غرفة الدواء باتحاد الصناعات أن حجم الدواء المغشوش يصل إلي 25% من حجم صناعة الدواء في مصر بينما علي مستوي العالم 11% فقط مشيرا إلي أنها صناعة تحتاج إلي أموال كثيرة وأجهزة تفوق قدرات مصانع بير السلم مرجحا أن يكون وراءها رجال أعمال ماتت ضمائرهم مؤكدا أن الفترة الأخيرة شهدت ضبط أصناف كثيرة مشاهبة لأصناف لشركات كبري وهي غالبا ما تكون أدوية الأمراض المزمنة والسرطان والأدوية مرتفعة السعر وقد تأثرت مبيعات كبري الشركات بتلك الأدوية المزيفة والتي قد لايكتشفها الصيدلي ولا المريض. ضوابط للتداول اشار د. أسامة إلي أن الغرفة قامت بعقد اجتماعات مع المسئولين في نقابة الصيادلة لوضع ضوابط للحد من تداول الدواء المغشوش ولأن الصيدلي هو المتعامل المباشر مع المريض لذلك يعد هو خط الدفاع الأول في حماية أرواح المرضي كما طالبنا المسئولين بوزارة الداخلية بتشديد الرقابة علي مصادر الأدوية المغشوشة والتي لانعرف حتي الاَن أين هي تحديدا ولكنه اشار إلي أن مخازن الأدوية تعد أهم تلك المصادر مطالبا وزارة الصحة بعدم منح المخازن الخاصة تراخيص إلا بعد التأكد من أنها منفذ توزيع للشركات الكبري. اختتم د. السعدي كلامه بأن الغرفة سوف تطلق حملة اعلامية لتوعية الصيادلة والمرضي بعدم التوجه إلي أي مصدر مجهول للحصول علي الأدوية والابلاغ عن أي مندوبين من حاملي السموم إلي المواطنين والصيدليات مشيرا إلي أن الرقيب الأول والأخير هو ضمير الصيدلي. ذهبنا إلي اللواء محمد أبوشادي مدير الادارة العامة لشرطة التموين أكد أن الدواء أصبح كأي سلعة خاضعة للغش والتزوير والأكثر تزييفا هي الأدوية مرتفعة الثمن والفياجرا والتي تم ضبط كميات كبيرة منها مؤخرا عبارة عن حجر جيري مصبوغ مشيرا إلي أن معظم من تم القبض عليهم يقومون بامتلاك أو تأجير أماكن غير مأهولة وبعيدة ولديهم أجهزة لتسهيل عملية التقليد للعبوات.. أما المواد الخام فغالبا ما تكون نشا وماء محلي بالسكر أو حجرا جيريا أو أدوية انتهت صلاحيتها. مشيرا إلي أن عدد القضايا من 2006 حتي الاَن 202 قضية غش دواء..! تشديد العقوبات وفي سياق متصل أكد د. عبدالرحمن شاهين المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة أن الوزارة وضعت ضوابط للحد من توزيع الأدوية مجهولة المصدر والمزيفة ومن ثم محاصرتها كما يتم النظر في القوانين الخاصة بمخالفات غش الأدوية وتشديد العقوبات علي كل من يحاول التلاعب بصحة المواطنين كذلك وضع شروط لمنح التراخيص بالنسبة للمخازن أهمها التعاقد مع المصانع المعتمدة والشركات الكبري للأدوية وذلك من خلال عقود رسمية مع الاحتفاظ بفواتير البيع والشراء ورصدها بسجلات الوارد والمنصرف ومن خلال برامج مخصصة علي الكمبيوتر، كما أن الوزارة الزمت اصحاب المخازن القائمة بالفعل بالتزام بهذه الشروط وتوفيق اوضاعها. اشار د. عبدالرحمن إلي أن اصحاب المخازن رفعوا دعوي قضائية ضد وزارة الصحة لوقف قرار الوزارة الذي حدد فيه وزير الصحة ضوابط معينة لتداول وتوزيع الدواء وقد أقام الدعوي 27 شخصا من أصحاب مخازن الأدوية جميعهم ليس بينهم صيدلي أو طبيب! وكشف أحد أصحاب المخازن رفض ذكر اسمه عن اسباب تفاقم الغش في مجال الأدوية أن شركات الأدوية تعد المسئول الأول والأخير عن هذه الظاهرة حيث اعتادت علي حرق الأدوية من خلال اعطاء المخازن خصومات تصل إلي 50% من قيمة سعر الدواء كما أن مندوبي بعض الشركات يقومون بالحصول علي عمولات من المخازن مقابل تسليم الأدوية للمخازن بدون فواتير رسمية وبعد ذلك يتم تحميلها علي فواتير لجهات أخري لديها اعفاء ضريبي مثل الصندوق الاجتماعي والجمعيات الخيرية وأحيانا تتم هذه اللعبة بتوجيهات مباشرة من المسئولين بهذه الشركات بهدف تحقيق معدلات أعلي للبيع.