البكاء علي الخط العربي في أيامنا هذه يمكن أن يملأ القلب، خصوصا أن الخط العربي هو الوعاء الذي يحمل اللغة، وما تتعرض له اللغة العربية في أيامنا من إهانات خلطها بالعديد من الكلمات الانجليزية أو الفرنسية إلي الدرجة التي لا تعرف فيها ممن يتكلم المقصود بالضبط من كلامه، ونفس الحالة في الصحف التي صارت تدمن تقديم العناوين والمانشتات عن طريق خطوط الكومبيوتر وهي خطوط مهما تنوعت فهي لا تقدم الابداع المطلوب. ومن ماليزيا جاء معرض للخطوط العربية وماليزيا التي تقدمت كثيرا في الاقتصاد لم توقف عند هذا الحد بل شاءت أن تتقدم بشخصيتها الثقافية المسلمة فكان هناك صيانة وإعادة احياء الفن الإسلامي الرصين، وأكبر الفنون العربية هي فنون الخط. وانطلق في الاسبوع الماضي معرض في مكتبة الاسكندرية أرجو أن يزوره كل المصممين الفنيين سواء في الإعلانات أو في الصحف كي نري كيف استطاع بلد أصر علي التقدم علي صيانة فن رفيع نحتاج إلي صيانته. والمعرض الذي تقيمه بمكتبة الاسكندرية يضم آيات من الخط الفارسي والخط النسخ والرقعة وهي الخطوط التي برع فيها العديد من أهل الفن الإسلامي عبر القرون الماضية. ولعل أهم ما أفكر فيه دائما جماليات الخط العربي وابداعه من مصر إلي دول أخري، وكنت من أكثر الناس حزنا علي تراث العراق في الخط العربي لأنه تراث مشهود. وإذا كان احتفال مكتبة الاسكندرية بنماذج لروائع الخط في ثلاثة قرون تبدأ من القرن السادس عشر وتنتهي عن القرن التاسع عشر وتقدم النماذج القادمة من ماليزيا حيث يهتم متحف الفنون الإسلامية هناك بالخط العربي كعنصر رئيسي في الجماليات التي انتجتها الثقافة الإسلامية فلا أقل من أن نستفيد نحن من تلك الخبرة كي نستعيد إنتاج الهواة والمحترفين في مجال الخط العربي وهو مجال فني رفيع. وكان الحديث عن ابن مقلة وهو وزير إيراني وضع مقاييس هندسية دقيقة يقام عليها الخط العربي وقد أفاضت في شرح ذلك الأستاذة الدكتورة هبة نايل بركات وهي من أوضحت فيما ذكره التقرير الصحفي عن تلك المناسبة، كيف نجح ابن مقلة في مهمة تحويل الخط إلي فن وحرفة معا في القرن العاشر الميلادي. ومن المؤكد أني سأطلب من الدكتور خالد عزب المسئول الإعلامي عن مكتبة الإسكندرية المشرف علي مركز الخط بالمكتبة أن يهدينا نصوص محاضرة الأستاذة الدكتورة هبة نايل علي الأقل لنخرج من دائرة النظر إلي إيران كدولة تدعو إلي مذهب إسلامي معين ولكن ننظر إليها كرافد مهم من روافد الابداع الفني ومن الغريب أن تكون ماليزيا هي الجسر الذي يمكن أن نعيد به النظر إلي تاريخ إيران، لأن ما يجمعنا بكل من الدولتين هي الثقافة الإسلامية. أقول ذلك وأنا أرحب في سطوري بهذا المعرض لا لأن مصر هي بيت تحقيق الإسلام كثقافة فنية وعلمية فقط، ولكن لأن المصريين يكرهون تماما تقسيم الدين إلي مذاهب، فالمصري يري الدين كأسلوب معاملة لا كميدان اقتتال طائفي، ولعل الجمال جين يكون حقا لكل منا كي نستمتع به هو جسر يبدد ذلك التعصب لمذهب ما سواء أكان شيعيا أو سنيا فالجمال حق للبشر بكل حضاراتهم وتوجهاتهم وهذا ما أضافه الإسلام إلي الكون وإن كان الإيمان بتلك الحقيقة صار صعبا علي العقول المتحجرة.