تخيل لو أنك ركبت قطار الأنفاق في إحدي المحطات في شمال العاصمة الهولندية أمستردام لتصل إلي قلب المدينة النابض حيث الحي التجاري في جنوبها خلال عشر دقائق فقط. ووفقا لخطط الحكومة الهولندية فإن هذا لن يظل خيالا وإنما سيتحول إلي حقيقة بعد 6 سنوات عندما يتم تنفيذ أكبر مشروع بنية أساسية حضري في هولندا منذ 100 عام.. فبحلول ربيع 2013 سوف يشق طريق قطار أنفاق سريع بطول 9.5 كيلومتر المدينة من الشمال إلي الجنوب مرورا بوسط المدينة التاريخي. وتتولي إدارة أمستردام توفير الجزء الأكبر من تكاليف المشروع التي تصل إلي 1.8 مليار يورو "2.4 مليار دولار" في حين سوف تقدم الحكومة المركزية الجزء المتبقي في صورة دعم للمشروع.. وستشهد المحطة المركزية الرئيسية علي هذا الخط الجديد استخدام أحدث التقنيات الهندسية والتكنولوجية ومنها تقنيات ستستخدم لأول مرة. يذكر أن عدد سكان أمستردام يبلغ حوالي 750 ألف نسمة في حين يبلغ عدد سكان "أمستردام الكبري" أي المدينة والضواحي المحيطة بها حوالي 1.2 مليون نسمة.. ورغم أن العاصمة الهولندية تتمتع بشبكة نقل عام ممتدة وذات كفاءة تعتمد بشكل أساسي علي القطارات الكهربائية "الترام" والحافلات فإن عدد خطوط قطارات الأنفاق بها قليلة. في الوقت نفسه فإن الضاحية الشمالية لأمستردام التي أقيمت خلال السنوات ال 15 الماضية لا ترتبط بشبكة مواصلات جيدة مع جنوبالمدينة. المعروف أن جنوبالمدينة أو ما يعرف باسم تسيوداس يعادل جزيرة مانهاتن بنيويورك حيث المباني شاهقة الارتفاع. ولعل السبب الرئيسي في عدم وجود شبكة قطارات أنفاق كبيرة في أمستردام يكمن في الصعوبات الفنية التي تواجه شق الأنفاق في تلك البلاد المعروفة باسم "الأراضي المنخفضة" حيث يرتفع منسوب المياه في باطن الأرض ويتم الاعتماد علي الأراضي التي تم ردمها في المياه وهي أقرب إلي "أراض صناعية". ورغم ذلك فالمهندسون الهولنديون نجحوا خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر وهما العصر الذهبي لهولندا في التوصل إلي أساليب فنية لإقامة المباني علي تلك التربة الخاصة. ويقول فور جون بوس أستاذ هندسة الأنفاق في جامعة ديلفت التقنية بألمانيا إن هناك عاملين يساهمان في صعوبة المشروع وتعقيده الأول هو الطبيعة السيئة للأرض والثاني ضرورة الحفاظ علي الجزء التاريخي من المدينة أثناء شق النفق. وأضاف أنهم وضعوا مجموعة من أنظمة المراقبة لرصد أي تأثير سلبي لعمليات الإنشاء علي تلك المباني التاريخية العتيقة.. وقد تم تثبيت 9000 وحدة استشعار علي مباني المدينة القديمة لرصد أي حركة أو اهتزاز في المباني مع الاستعداد لتعديل عمليات التشييد في حالة الضرورة لمنع وقوع أضرار بهذه المباني. وتعتبر المحطة الرئيسية في وسط المدينة الجزء الأصعب من المشروع والأشد تعقيدا فهي في الأصل بناء أثري صممه المهندس بيير سيبرس في أواخر القرن الثامن عشر وتقام علي حوالي 9000 عمود خشبي في جزيرة صناعية ببحيرة اَي جيه. وهذا دفع المهندسين إلي استخدام تقنيات هندسية لم تستخدم من قبل لربط هذه المحطة بخط قطار الأنفاق الجديد. كانت تكاليف المشروع المقدرة أوائل التسعينيات حوالي 500 مليون يورو ولكن من المتوقع أن تتجاوز النفقات الاَن ال 1.8 مليار يورو.. ولم تكن زيادة التكاليف مفاجأة للكثيرين من سكان أمستردام المخضرمين.. فهؤلاء يتذكرون كيف تحول مشروع قطار الأنفاق الذي كان يقام في السبعينيات إلي مشروع استهلك وقتا وأموالا أكثر بكثير من التقديرات الأولية. كانت مدينة أمستردام قد نظمت استفتاء شعبيا علي مشروع قطار الأنفاق عام 1997 ولكن الاستفتاء فشل بسب عدم مشاركة أكثر من 30% من الناخبين فيه حيث عارضه ثلثا المشاركين.. وبعد ذلك قرر مجلس المدينة المضي قدما في تنفيذه عام 2002. ورغم كل الصعوبات التي تواجه المشروع فإن هناك اتفاقا علي أنه سيمثل نقلة في عالم النقل الداخلي بالعاصمة الهولندية.