تواجه كبريات الشركات الأوروبية حالة من الاضطرابات قد تختلف مظاهرها من شركة إلي اخري وقد تختلف أيضا أسبابها ولكنها في النهاية تعكس المناخ القلق الذي يحيط بهذه الشركات وتقول مجلة "الايكونوميست" ان شركة سيمنز الألمانية وهي أكبر شركة هندسية في أوروبا كلها قد اطاحت أخيرا برئيس مجلس إدارتها ومعه أيضا الرئيس التنفيذي كلاوس كلاينفيلد رغم ما بذله الأخير من جهود جادة لتجاوز فضيحة رشوة المسئولين الأجانب التي شملت التحقيقات فيها العديد من كبار المسئولين في سيمنز، والطريف ان الرئيس الجديد الذي اختارته سيمنز لنفسها وهو بيتر لوتشير الذي جاء إليها قادما من شركة الأدوية الأمريكية ميرك يعني اسمه لغويا "اطفائي الحرائق" ورغم أن لوتشير رجل لا يحظي بشهرة كبيرة إلا أنه رجل ناجح في حياته العملية التي عمل خلالها في كل من أوروبا واليابان والولايات المتحدة وقد يستطيع لوتشير ان يطفئ الحريق المشتعل في سيمنز ولكنه سيتعين عليه أولا ان يسيطر علي هذه الشركة التي تضم 475 ألف عامل وتبلغ مبيعاتها السنوية 87 مليار يورو (107 مليارات دولار) وتتكون من 11 قسما تتراوح من صنع القطارات إلي صنع المعدات الطبية. وفي حين تحقق الشركات الأوروبية الكبري نتائج جيدة تباهي نظيراتها الأمريكية فإنها تواجه ايضا مجموعة من الهبات في مجالس إداراتها وصراعا من أجل السيطرة يستغرب المراقب حدوثه في وقت الرواج ويشي بأن هذه الشركات قد تواجه أوقاتا صعبة في المستقبل القريب ولا يقتصر الأمر علي سيمنز وحدها ولكنه يمتد ليشمل شركات مثل EADS (الشركة الأم للايرباص) وشركة دايملر وشركة PSA بيجو ستروين ورينو وقد يكون من المفهوم رد معاناة بنوك أوروبا وشركات الطاقة فيها إلي حداثة السوق الأوروبي الواحد وفي قطاعات اخري مثل الاتصالات والطيران المدني يرجع الاضطراب إلي تسارع موجة الاندماج التي طال انتظارها ولكن ما يقلق في حالة سيمنز وايدز وغيرها ان اسباب اضطرابهم أعمق وترجع إلي أنهم اخطأوا وضع اقدامهم في ساحة المنافسة العالمية. ويخشي المتشائمون من ان يكون هذا الاضطراب هو نهاية للنجاح الذي حققته تلك الشركات في السنوات العشر الأخيرة اما المتفائلون فانهم يأملون أن يؤدي ذلك إلي حركة من الهدم البناء أو الخلاق تمكن الشركات الأوروبية من تحسين ادائها نظرا لأهمية مصير هذه الشركات باعتبارها ركنا ركين في الاقتصاد الأوروبي. وتقول دراسة نشرتها مجلة مكنزي ربع السنوية إن إنتاجية العامل الأوروبي تقل بنحو الثلث عن نظيره الأمريكي ويؤكد هاينو في سبندر صاحب الدراسة ان دولة الرفاة الأوروبية ليست هي السبب في ذلك وإنما السبب هو ان الأوروبيين اختاروا أن يكون عدد ساعات العمل عندهم أقل منها في أمريكا وهذه الإنتاجية العرجاء تعوق ظهور شركات قوية جديدة وتجعل أوروبا تعتمد علي شركاتها الكبري القائمة بالفعل والتي صارت تعمل أيضا خارج أوروبا ولا شك ان عولمة نشاط تلك الشركات يمكنها من الاستجابة لمطالب العمال في أوطانها الاصلية حيث اسبوع العمل في بلد مثل فرنسا لا يتجاوز 35 ساعة إلي جانب ان الشركات لا يمكنها فصل العامل الكسول أو غير المنتج وهي تستعيض عن ذلك بزيادة إنتاجية عمالها في الخارج ولأن قوة أوروبا من قوة شركاتها الكبري فإن اضطراب هذه الشركات أمر يثير القلق. وربما كانت إعادة التنظيم الجذري هي ما تحتاجه تلك الشركات الأوروبية وعلي سبيل المثال فإن تولي لوتشير القيادة في سيمينز اعاد طرح امكانية تقسيمها خصوصا وان جنرال اليكتريك نظيرها الأمريكي قامت ببيع قسم البلاستيك التابع لها إلي شركة سابيك السعودية اخيرا كذلك يأمل مجلس إدارة سيمنز ان يكون لوتشير طيعا عن سلفه كلاينفيلد الذي كان يتميز بصرامة الرأي والموقف ويقول تاريخ لوتشير انه كان مسئولا استراتيجيا في شركة هوكست للكيماويات عندما قررت الشركة تقسيم نفسها وأنه قد يتكشف ان التقسيم هو أفضل علاج لمشكلات سيمنز هي الأخري. والشركة الألمانية الاخري التي تعاني من الاضطراب هي دايملر التي قامت اخيرا ببيع كرايزلر وربما كان قرار البيع معقولا لأنه أوقف ما كانت تعانيه من خسائر ولكنه ايضا ترك دايملر بلا استراتيجية للمستقبل اما شركة EADS فهي في ازمة حقيقية اضطرت الرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي إلي زيارة برلين غداة انتخابه لكي يتشاور مع ميركل في شأنها وعاد الرجل إلي تولوز ليؤكد للعاملين ان الحكومة الفرنسية ستقدم ما تحتاجه EADS من دعم مالي ولكنه اعرب ايضا عن امله في ان يحل حملة الأسهم محل الحكومة في القريب وفيما يخص شركة بيجو أعلن رئيسها كريستيان سترايف عزمه الاستغناء عن 5 آلاف عامل وخفض اسقف الأجور والإنتاج 30% واطلاق 21 موديلا جديدا من السيارات حتي عام 2010 وباختصار فإن عصر العولمة والمنافسة الحرة صار يفرض علي كبريات الشركات الأوروبية أن تعيد تنظيم نفسها من جديد.
