لم تكن الحروب وأعمال الشغب والانقلابات والحظر البحري ذات يوم تهم إلا رجال الدولة والمرتزقة والجواسيس ولكنها الاَن صارت تهم أيضا رجال المال.. وقد بدأ المصدرون وقادة البنوك العالمية والمسئولون عن المخاطر في الشركات يهرعون إلي شركات التأمين لحمايتهم من الاَثار المالية للاضطرابات السياسية في مختلف أنحاء العالم. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هذا الغطاء التأميني كان مقصورا في وقت من الأوقات علي شركات البترول العاملة في دلتا نهر النيجر أو شركات التعدين العاملة في مجاهل اَسيا الوسطي ولكن مع تجرؤ الشركات علي العمل في كثير من المناطق النائية فإنها أصبحت تطلب حمايتها من كثير من المخاطر الغريبة وهكذا أصبحت الأخطار السياسية تهدد أنواعا عديدة من الشركات تتراوح ما بين منتجي الفاكهة في أمريكا اللاتينية وحتي رجال البنوك في دبي مرورا بمنتجي الأفلام في جزر فيجي. وتقول أرقام بيرني يونيون وهو مجموعة تضم أكبر 30 شركة تأمين عامة "مسجلة في البورصة" وخاصة "غير مسجلة في البورصة" عاملة في حقل التأمين ضد المخاطر السياسية إن حجم بوالص التأمين ضد المخاطر السياسية التي أصدرتها هذه الشركات خلال الربع الأول من عام 2007 يصل إلي أكثر من 113 مليار دولار في حين كان هذا الرقم لا يتجاوز ال 44 مليارا في عام 2006 ونحو 37 مليارا فقط في عام 2005. ورغم أن الأخطار السياسية تختلف وتتنوع من مكان إلي مكان فإن هناك أماكن وبلدانا تعد الأخطار السياسية فيها أكيدة مثل أفغانستان وغينيا الاستوائية وطاجيكستان وسوريا والعراق وهي بلدان تتصدر القائمة التي أصدرتها أخيرا شركة السمسرة AON ومن العادي أن نجد في القائمة أيضا بلدانا مثل كولومبيا وأنجولا وفنزويلا بل إن الأخطار السياسية قد تطول أيضا بلدانا مثل فيتنام وبنما وأوكرانيا. والشكل التقليدي للتأمين ضد الأخطار السياسية كان يتضمن العنف السياسي "مثل الحرب والعصيان المسلح" والتأميم ومصادرة الممتلكات ووقف تحويل العملة.. وهذه التهديدات يمكن أن تضرب أي مشروع استثماري، وكذلك الاتفاقات التعاقدية مثل عقود التصدير الكبيرة. وتتضح فائدة التأمين ضد المخاطر السياسية بوجه خاص عند العمل في الأسواق الناشئة لفترات طويلة حيث إنها تخفف كثيرا من تكاليف هذه المخاطر. وتجدر الإشارة إلي أن صناعة التأمين ضد المخاطر والسياسة راحت تواجه في السنوات الأخيرة بعض الاضطراب الداخلي وهو اضطراب نابع من ثلاثة عناصر هي الابتكار في العروض، وزيادة دور شركات التأمين الخاصة، أما العنصر الثالث فهو تقلص الساحة التي كانت تعمل عليها بعض شركات التأمين المسجلة في البورصة. ولاشك أن طلب بعض الزبائن لأشكال جديدة من التغطية التأمينية هو أحد أسباب تشجيع الابتكار في العروض التي تقدمها شركات التأمين.. فالبنوك علي سبيل المثال صارت تطلب تغطية تأمينية ضد عدم وفاء الحكومات أو غيرها من الكيانات الأجنبية بالعقود المبرمة معها لأسباب سياسية.. فقد تقدم البنوك قرضا كبيرا لأحد مشروعات البنية الأساسية ثم تقوم الحكومة لأي سبب بمصادرة المشروع. ومثل هذا النوع من التغطية يعادل أحيانا نصف بوالص التأمين ضد الأخطار السياسية التي تصدرها بعض الشركات. وعلي سبيل المثال فإن شركة سوفراين ريسك إنشورانس ومقرها برمودا وتأسست عام 1997 وتعمل في 114من الأسواق الناشئة يوجد في محفظتها بوليصة تأمين لصالح أحد البنوك الأجنبية العاملة في البرازيل تبلغ قيمتها 95 مليون دولار وهي بوليصة ضد ما قد يواجهه البنك هناك من مخاطر سياسية. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن دخول شركات التأمين الخاصة بقوة حقل التأمين ضد المخاطر السياسية قد أصبح ظاهرة في السنوات العشر الأخيرة. وصارت شركات التأمين الخاصة تمثل نحو نصف عدد شركات التأمين العاملة في هذا المجال الذي كانت تسيطر عليه الشركات العامة ذات يوم.. ومن أبرز الشركات العامة التي كانت مسيطرة في هذا المجال الوكالات الوطنية لتنمية الصادرات وكالة ميجا MIGA التابعة للبنك الدولي. وبنمو القطاع الخاص "غير المسجل في البورصة" بدأت تلك الشركات العامة تبحث لنفسها عن أدوار جديدة سواء باختيارها أو بحكم الضرورة.. وعلي سبيل المثال فإن وكالة التأمين الأمريكية OPIC تخلت عن دورها في تغطية المشروعات الكبيرة وصارت لا تغطي سوي المشروعات التي تتوافق مع أولويات السياسة الأمريكية في مختلف الأسواق الناشئة. أما وكالة ميجا التابعة للبنك الدولي فهي تحاول تغطية الفجوات التي تتركها شركات التأمين الخاصة في السوق.. فهي تقدم التغطية التأمينية في دول مثل بوروندي وسيراليون التي تهرب من تغطيتها الشركات الخاصة كما تقوم التغطية التأمينية لمشروعات جنوب أفريقيا في دول أفريقيا جنوب الصحراء وهي مشروعات لا تقبل علي تغطيتها أيضا شركات التأمين الخاصة.