خيرا وبعد 19 شهرا من الحياة في ظل قانون الحماية من الإفلاس رأت أت شركة الطيران الأمريكية "دلتا إيرلاينز" النور في نهاية النفق المظلم وغادرت حافة الهاوية ونجت تماما من احتمالات الإفلاس. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الفضل في ذلك يرجع إلي رئيسها التنفيذي جيرالد جرينشتاين الذي تولي هذا المنصب في يناير من عام 2004.. والأمر المدهش أن جرينشتاين 74 عاما قد أعلن عقب اطمئنانه علي مصير دلتا عزمه علي التقاعد فور أن يجتمع مجلس إدارة الشركة من أجل اختيار خليفة له. والغريب أن جرينشتاين قبل أن يتولي قيادة دلتا رفض عرضا بتولي منصب الرئيس التنفيذي لشركة أخري قائلا إنه قرر التقاعد ولكنه ما إن عرضت عليه قيادة دلتا إيرلاينز كرئيس تنفيذي قبل العرض دون كثير من التردد.. ويبدو أن تحدي إخراج دلتا من أزمتها قد استهواه واعتبر أن نجاحه في إنقاذها سيكون بمثابة ختام طيب لحياته العملية. وتجدر الإشارة إلي أن جرينشتاين كان عضوا في مجلس مديري دلتا منذ عام 1987 وقد ارتقي من منصبه كمدير ليصبح رئيسا للشركة دفعة واحدة وهذه قفزة معتادة في حياة الرجل الذي سبق له أن مارس قفزات مشابهة في كل من شركة الطيران ويسترن إيرلاينز وشركة بورلينجتون نورثرن للسكك الحديدية.. ففي شركة ويسترن إيرلاينز علي سبيل المثال كتب جرينشتاين تقريرا عن تصوره لمستقبل هذه الشركة من الناحية الاستراتيجية وكان هذا التقرير سببا في ارتقائه ليصبح رئيسا تنفيذيا لشركة ويسترن إيرلاينز.. ويعلق جرينشتاين علي ذلك بقوله إن الفرص تحب أن تذهب إلي الرجل المستعد ذهنيا.. ولابد من الاعتراف بأن بقاء جرينشتاين طويلا في دلتا قد ساعده علي فهم كل ظروفها، فالرجل انضم إلي مجلس إدارة دلتا عند اندماجها مع ويسترن إيرلاينز وظل لنحو 17 عاما مطلعا علي مجريات الأمور فيها حتي تولي قيادتها عام 2004 وكان حينذاك في الحادية والسبعين من عمره ولاشك أن الناس الذين جاءوا معه من ويسترن إيرلاينز كانوا يعرفونه حق المعرفة وعلي استعداد للتصويت لصالحه عند الاختيار. ومما رجح كفة جرينشتاين أيضا أنه قاد كلا من ويسترن إيرلاينز وبورلينجتون للسكك الحديدية وهما تمران بفترة إعادة هيكلة وكان نجاحه في التجربتين نقطة إضافية لصالحه.. ويقول الرجل إن موهبته تتركز أساسا في إصلاح المعوج وإنه لا يحب أن يعمل طويلا في شركة ناجحة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن دلتا قد تأثرت سلبا مثل غيرها من شركات الطيران الأمريكية بسبب أحداث 11 سبتمبر 2001.. ولكن توازن أوضاعها المالية ساعدها بعكس شركات الطيران الأخري في أن تعتمد علي نفسها وعلي بعض القروض.. ولكن مع تصاعد الديون بدأت اَثار الأزمة تظهر علي دلتا وتم اللجوء إلي جرينشتاين لإنقاذها من المأزق.. واعتمد الرجل علي المصارحة حيث اجتمع مع العاملين وقال لهم صراحة إن شركتهم أصيبت بأزمة قلبية. وقرر أن يخفض من أعباء الأجور فأنقص رواتب ومكافاَت الجميع وعلي رأسهم المديرون. وسار بالشركة مسيرة صعبة واضطر إلي وضعها تحت الفصل 11 لقانون الحماية من الإفلاس لأكثر من عام ونصف العام حتي اعتدلت أحوالها ودخلت مرحلة تحقيق الأرباح. واليوم عاد جرينشتاين إلي توزيع المكافاَت علي القادة والعاملين في الشركة ولكنه استثني نفسه من ذلك، مؤكدا أنه لا يريد أن يستفيد من تضحيات الناس، وقال إنه وغيره من كبار قادة دلتا لابد أن يكونوا قدوة حسنة للاَخرين. وجدير بالذكر أن العاملين في دلتا قد أبدوا تعاونا جيدا مع جرينشتاين واستطاعوا في عام 2006 إحباط محاولة من "يو اس إيروايز" لشراء دلتا وساعدهم جرينشتاين بالطبع عن طريق المحامين وعن طريق اتصالاته مع المسئولين في واشنطن. وقد حققت دلتا في عام 2006 أول أرباح لها في القرن الجديد وذلك بعد نجاح جرينشتاين في خفض التكاليف السنوية للشركة بمقدار 3 مليارات دولار. ويأمل الرجل أن يكون خليفته القادم من داخل أبناء دلتا حتي يستطيع أن يواصل الطريق الذي بدأه ويستمر بالشركة علي الطريق الصعب الذي يتميز بشراسة المنافسة خلال السنوات القادمة.