الرأسمالية بدون الإفلاس فكرة خيالية تماما مثل تصور الأديان بدون الجنة والنار.. ومع إطلال الركود علي الاقتصاد الأمريكي سيبدأ التزاحم في محاكم الإفلاس وتوقد النار للشركات التي أوقعها الحظ العاثر تحت وطأة الديون الثقيلة.. فبعد سنوات عديدة مبهجة هبطت فيها حالات الإفلاس إلي أدني المعدلات وتغيرت الأحوال وعاد التعثر ولا أحد يعرف إلي أي مدي سوف تذهب حالات الإفلاس. تقول مجلة الإيكونوميست إنه إذا صدقت أسواق الديون فإن الشركات الأمريكية تواجه اضطرابات تشبه علي الأقل ما سبق أن واجهته في دورتي الهبوط في تسعينيات القرن الماضي ومطلع القرن الجديد بعد انفجار فقاعة "الدوت كومز". ومن المؤشرات الدالة في هذا الصدد هي الفجوة بين العائد علي السندات عالية المخاطر والعائد علي سندات الخزانة الأمريكية. ومنذ عام واحد كانت هذه الفجوة 280 نقطة وكان متوسط هذه الفجوة علي المدي الطويل 500 نقطة، أما الاَن "في مارس الماضي" فقد بلغت هذه الفجوة أكثر من 800 نقطة لأول مرة منذ عام ،2003 وقفزت إلي 862 نقطة يوم 17 مارس. وقد قفز معدل الإفلاس في الاثني عشر شهرا الماضية بالنسبة للسندات عالية العائد عالية المخاطر ليصبح 1.28% بعد أن كان 0.87% فقط في نوفمبر الماضي. ويتوقع معظم الخبراء أن يزيد أكثر وأكثر خلال الشهور القادمة.. وعلي سبيل المثال تري وكالة الملاءة موديز أن معدل الإفلاس سيصل إلي 5.4% في نهاية العام الحالي وذلك بسبب مشاكل داخلية في السوق الأمريكي.. وتتوقع موديز زيادة معدل الإفلاس الأوروبي هو الاَخر ولكن إلي 3.4% فقط بسبب انخفاض معدل الاستدانة بين الشركات الأوروبية. وهناك من يري أن هذه تقديرات متفائلة لمعدل الإفلاس تفترض أن الركود الأمريكي سيكون من النوع الخفيف.. أما إذا كان الركود من النوع العميق فإن معدل الإفلاس سيرتفع إلي الضعف كما يقول كينيث إيمري رئيس قسم أبحاث الشركات المفلسة في وكالة موديز. وهناك خبراء أكثر تشاؤما فشركة الأبحاث فريدسون فيجين نشرت أخيرا معدل للإفلاس استندت في تقديره علي نسبة السندات الجاري تداولها بفجوة عوائد تصل إلي ألف نقطة، وكان هذا المعدل الذي نشر يوم 19 مارس يناهز ال 8.55% مع نهاية فبراير القادم في حين أن معدل الإفلاس الذي توقعته موديز كان في حدود 6.8% في ذات التاريخ. ويعترف مارتن فريدسون مؤسس شركة فريدسون فيجين أن هذه التنبؤات محفوفة بالمخاطر لأنها تعتمد علي أسعار تتحدد في سوق مصاب بأزمة سيولة.. ويعتقد البعض أن سوء حال السندات عالية المخاطر الاَن ينبيء عن اهتزاز السوق بأكثر مما ينبيء بظروف الشركات المقترضة أو سوء حالتها. ويؤكد هؤلاء أن عودة السيولة إلي السوق ستؤدي إلي ارتفاع كبير في أسعار سندات الشركات "عالية المخاطر" لتسنح بذلك فرصة العمر أمام من يريد الشراء. ويري فريدسون أن الاختلاف بين فجوات سندات الشركات وبين معدلات الإفلاس الفعلية هو اختلاف غير عادي ولا يمكن تفسيره.. ففي المناسبات السابقة عندما كانت الفجوة تزيد علي 800 نقطة كان معدل الإفلاس 9.43% في عام 1990 ثم هبط إلي 5.44% في عام 2000.. وهذا معناه أن ضخامة كميات الديون التي عقدت في فترة ازدهار الائتمان كما حدث في الفترة 2005/2007 قد تجعل المقرضين يحجمون عن استرداد أموالهم لفترة وهو ما يؤجل موعد الإفلاس بالنسبة لكثير من الشركات المتعثرة.. ولكن نظرة علي الشركات ذات الديون المزعجة توضح أن المشاكل تتحرك بسرعة إلي ما وراء معدلات الإفلاس علي المدي الطويل، كما يحدث في شركات الطيران والسيارات وتتجاوز الصناعات التي أصيبت مباشرة بأزمة السيولة "مثل صناعة البناء"، ومقترضي الرهن العقاري وشركات التأمين المتخصصة إلي غيرها من الصناعات.