لعل نتائج الاستفتاء علي الرئاسة السورية التي جرت يوم الاثنين الماضي تكون قد أعلنت عند نشر هذا المقال. لكن الأمر لا يدعو إلي التردد فالنتيجة متوقعة بل مجهزة سلفا ولن تقل في تقديري عن 7.97% لتكون أقل قليلا من الاستفتاء السابق سنة 2000 والذي كانت نسبته 29.97% شوف الدقة المتناهية في النسب بحيث تحسب الكسور الشعرية. وعموما فهذه النتيجة أقل من تصويت مجلس الشعب السوري الذي صوت وبالاجماع - أي بنسبة 100% - علي ترشيح الرئيس بشار الأسد للمرة الثانية رئيسا للجمهورية ومجلس الشعب السوري منتخب انتخابا مباشرا منذ بضعة شهور وفازت لائحة الجبهة القومية بقيادة حزب البعث بنسبة 99% ولا وجود للمعارضة، ومعارضة ليه طالما الكل في واحد. إن هذه النتائج الساخرة تجري في الوقت الذي شنت فيه السلطات السورية هجوما كاسحا ضد فلول المعارضة حيث صدرت مؤخرا أحكام شديدة ضد مفكرين وكتاب ونشطاء سياسيين يطالبون بديمقراطية حقيقة أو علي الأقل الاعتراف بوجود معارضة ولو شكلية لتستطيع أن تحصل علي 20% أو حتي 10%. ولقد صدرت أحكام قاسية في خلال هذا الشهر شهر الامتحانات والعرس الديمقراطي ضد الكاتب ميشيل كلو والناشط السياسي أنور النبي بالسجن خمسة أعوام لانهما وقعا إعلان بيروتدمشق الذي دعا إلي اصلاح العلاقات اللبنانية السورية وإلي توسيع هامش الحرية والديمقراطية. كذلك صدر الحكم علي كمال ليواخي الناشط السياسي في مجال حقوق الإنسان بالسجن لمدة 13 عاما فقط لا غير لأنه أقام علاقات وحوارات مع قوي سياسية تعتبرها سوريا معادية لها وهو الأمر الذي دفع المسجونين والمعتقلين السياسيين في السجون والمعتقلات السورية إلي اصدار بيان نشرته الصحف اللبنانية يدينون فيه مناخ القمع والكبت الذي بلغ ذروته ضد المعارضة الديمقراطية سنة 2000 وكان الرئيس الابن بشار الأسد قد تولي منصب رئيس الجمهورية خلفا للرئيس الأب حافظ الأسد الذي وافته المنية بعد أكثر من ثلاثين عاما حكم فيها سوريا بقبضة من حديد وقمع فيها كل القوي والتيارات السياسية المعارضة بل وقام باستخدام طائرات الميج - التي لم تستخدم ضد إسرائيل - فضرب وقصف مدينة حماه السورية التي اعتبرها قلعة المعارضة ضده مما أدي إلي قتل عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء. وقام الرئيس الأسد قبل الموت وبمساعدة نائبه عبدالحليم خدام بكل الترتيبات بما في ذلك تغيير بعض نصوص الدستور السوري لكي يتولي ابنه الطيب بشار الأسد السلطة بعده وذلك بعد الحادثة التي جرت لابنه الأكبر بسام والتي أدت إلي موته، وارسي الأسد الكبير بذلك نظاما جديدا في العالم العربي وهي الجمهورية الوراثية التي تجمع بين كل موبقات النظام الملكي والنظام الجمهوري معا. لذلك فالانتخابات أو الاستفتاءات جرت وتجري في سوريا لم يعد يحفل بها أحد حتي هؤلاء القوميون الجدد بشعاراتهم الشوفينية المتطرفة والذين يملأون الفضائيات العربية صراخا لم يجرؤ أحد منهم علي طرح الانتخابات السورية ومناقشة ظروفها ونتائجها وذلك لسبب بسيط فالكل يعرف اللعبة المتكررة والمملة ويحفظها عن ظهر قلب كما يعرف النتيجة سلفا فالحزب الفائد والحاكم والمتحكم والقائد للمسيرة التاريخية للشعب السوري وقائد الجبهة الوطنية الممنضوية تحت جناحه هو الذي سيفوز بنسبة لا تقل بأي حال من الأحوال عن 95%. هكذا كان الحال منذ أربعين عاما مثلما هو الحال اليوم سواء في عصر الأسد الأب أم الأسد الأبن وربما يستمر الوضع علي ما هو عليه في عصر الأسد الحفيد. الكل يعرف أنها انتخابات واستفتاءات شكلية معدة سلفا مثل المباني سابقة التجهيز ويعرف خبراء النظام كيف تعد وكيف تجري وكيف تكون النتائج واسألوا عبدالحليم خدام الذي احتل موقع الرجل الثاني في الحزب والدولة علي مدي أكثر من ثلاثة عقود ثم قفز من السفينة قبل أن تغرق وكشف أسرارها وفضائحها. الغريب والمثير أن حزب البعث السوري مثلما كان الحال مع شقيقه اللدود حزب البعث العراقي مازال يتمسك بفكرة الحزب القائد والحاكم رغم سقوط هذه الفكرة في الاتحاد السوفيتي السابق ودول شرق أوروبا والتغيير الديمقراطي الواسع الذي اجرته الأحزاب الشيوعية والاشتراكية علي برامجها واستبعاد هذه الصيغ البالية التي أضرت كثيرا بالاشتراكية. ومن الذي يهتم بانتخابات تجري في ظل نظام فوقي متحكم ومستبد ومازال يلقي الناس في السجون والمعتقلات ولسنوات طويلة لمجرد الاختلاف في الرأي بل ويستخدم المدافع والطائرات لإنزال الهزيمة بشعبه مثلما جري حين قصفت طائرات الميج مدينة حماة وقتل الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين. قد يقول أحدهم خاصة من القوميين الجدد إن هذا النظام رغم كل شيء ظل محافظا علي الصمود والتصدي وعدم التنازل عن السيادة الوطنية والدفاع من أجل حقوق الشعب السوري والشعوب العربية وهو الأمر الذي أصبح يثير بالفعل سخرية مريرة. فهذا النظام البعثي الذي يقود عملية الصمود والتصدي لم يضبط مرة واحد بعد حرب اكتوبر 1973 بمحاولة تنظيم مقاومة مسلحة أو حتي فرقة فدائية لتحرير أراضي الجولان التي مازالت محتلة حتي الآن. وهذا النظام الذي يحتضن كل التنظيمات الآبقة والارهابية في العالم العربي تحت دعوي الدفاع عن فلسطين وهو نفسه النظام الذي كان متواجدا بقواته في لبنان سنة 1982 والتي بلغت أكثر من 30 ألف جندي واثناء الغزو الإسرائيلي لبيروت ولم يحرك ساكنا ولم يطلق مدفعا واحدا ضد القوات الاسرائيلية الغازية. بل ان مذابح صبرا وشاتيلا وعين الحلوة جرت أمام الجنود والقوات السورية التي كانت في لبنان وكانت الأوامر صريحة لهم بعدم التدخل وبعد ذلك يقول البعض فلنغفر لهم خطاياهم لأنهم صامدون. أسف إذا كنت قد قلت الحقيقة وهي عادة سيئة في عالمنا العربي ولقد كان ذلك السبب في اعتقالي لفترة طويلة في سجون القلعة والواحات وأسيوط والفيوم وسجن مصر حينما تصورت أن الشعوب العربية تستحق ديمقراطية حقيقية وليس نظام الحزب الواحد الحاكم ابدا والمستبد بالطبيعة. وفي عالمنا العربي يبدو أن كل القيم مهدرة ولكن الأمن مستتب.