يعتقد البعض أن أي متاعب تُصيب الاقتصاد الأميركي سوف تنعكس علي الاقتصادي العالمي، لكن هذا الاعتقاد خاطئ، خاصة والاقتصاد العالمي أخذ يفك ارتباطه بتغيرات النمو الأميركي فقد كانت أميركا خلال بضعة عقود ماضية هي محرك النمو في الاقتصاد العالمي وكان الاثنان ينموان بالتوازي. وقال لاكشمان اشتونان مدير معهد أبحاث الدورة الاقتصادية في نيويورك، ان أميركا تمر بأطول دورة نمو اقتصادي في تاريخها. ومع انخفاض معدل النمو الاقتصادي الأميركي بشكل ملحوظ خلال الفترة القصيرة الماضية، لا يزال الاقتصاد العالمي ينمو بسرعة. الهند مثلاً تسجل نمواً سريعاً غير مسبوق، والاقتصاد الصيني ينمو بمعدل وحافظ البنك المركزي الأميركي الاحتياطي الفيدرالي علي ثبات أسعار الفائدة منذ يونيو الماضي. والبنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان يرفعان أسعار الفائدة حيث ان اقتصادياتهما تمر بمرحلة نمو سريع قد يطلق عنان معدل التضخم. وقال برادستسر الخبير الاقتصادي في روبيني جلوبال ايكونوميكس إن تراجع النمو الأميركي خلال الربع الأول من العام لم يجذب معه نمو أوروبا أو آسيا. وقد جعلت الاتجاهات التي تبدو متداخلة، مثل تراجع النمو الأميركي وسرعة النمو في أماكن أخري من العالم، بعض خبراء الاقتصاد يتساءلون إذا كان الاقتصاد الأميركي أصبح يتحرك في معزل عن الاقتصاد العالمي. والبعض يعتقد أن التغيرات في الاقتصاد العالمي جعلت دور الولاياتالمتحدة يتراجع من حيث الأهمية. وقال ستيفن كنج الخبير الاقتصادي في بنك إتش إس بي سي لندن لصحيفة "فاينانشيال تايمز" ان هناك تغيراً مهماً، في الاقتصاد العالمي خلال السنوات الخمس الماضية، ومنذ ذاك الوقت أخذت أماكن أخري من العالم عصا السبق في النمو من أميركا. وكان العالم يصاب بالانفلونزا الحادة عندما تعطس أميركا، حتي وقت قريب. لكن كنج يقول ان أميركا عطست الآن لكن العالم لا يزال يخرج للتسوق بحرية، ويشير كنج إلي أن الأسواق الصاعدة مثل الصين والهند ووسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط تفتح الحياة في الاقتصاد الأوروبي والياباني من خلال مشترواتها الهائلة من السلع الإنتاجية، فهناك أوناش بناء لا تحصي في دبي وقطارات فائقة السرعة في الصين وأرصفة استخراج بترول في روسيا. وأضاف أن نصيب الأسواق الصاعدة في الإنفاق علي السلع الإنتاجية عالمياً قد ارتفع من 20% في التسعينات إلي نحو 37% الآن. وتفيد أوروبا الغربية من ارتفاع حجم التجارة مع شرق أوروبا وروسيا وآسيا والشرق الأوسط. والناتج الأخير أن منطقة اليورو اكبر شريك تجاري مع الولاياتالمتحدة لم يعد يعتمد علي الأخيرة كلياً كما كان من قبل كما يقول ستسر. وأضاف أن أوروبا لم تعد تنمو علي أكتاف نمو الطلب المحلي الأميركي وبالتالي تقلص الدور الأميركي مع تزايد حجم التجارة بين الأطراف الأخري. غير أن الاتفاق علي انتهاك أنماط النمو العالمية والأميركية ليس كاملا حيث يقول اشوتان ان أميركا لا تزال تحدد الطريق لأن الاقتصاد الأميركي نما بقوة وتبعه اقتصاد العالم في ذلك. وسوف يتراجع نمو مناطق مثل أوروبا في أعقاب تراجع النمو الأميركي في العام الماضي. ويضيف ان عربات قطار الاقتصاد العالمي لا تزال مرتبطة ببعضها ويؤكد شوتان انه ليس هناك اتصال في أنماط النمو الأميركي والعالمي، لكن لفترة ما ثم تصطدم بالعربات الأمامية. وقال ديفيد اوزنبرج الخبير الاقتصادي في ميريل لينش إن الانفصال الظاهري بين اقتصاديات العالم له علاقة اكبر بطبيعة تراجع النمو الاقتصادي الأميركي الذي لم ينشأ عن هبوط الاستهلاك بل عن انخفاض في الاستثمار خاصة في قطاع المنازل. وقال روزنبرج إن 100% تقريبا من تراجع الاقتصاد الأميركي يرجع إلي ركود صناعة بناء المنازل وهي صناعة محلية داخلية محضة من الوسيط العقاري إلي بنوك الرهونات العقارية من مصممي الديكور الداخلي إلي المشترين ولا تتأثر التجارة العالمية إلا إذا كنت تدير ورشة تقطيع خشب في كندا. وقال مارتين بيلي الباحث الأول في معهد بترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن انه من المفيد لأميركا أن تتخلي عن قيادة القاطرة. فهناك عجز هائل في الميزان التجاري الأميركي وتحتاج إلي تراجع نموها الاقتصادي عن بقية أجزاء العالم وان تترك أوروبا واليابان والصين إن أمكن تتبعها في تراجع النمو ويبدو أن هذا يحدث الآن. وأضاف بايلي انه لا يجب ان نتسرع بالاعتقاد بأن الاقتصاد العالمي يعتمد علي أميركا حاليا أكثر مما كان عليه في الماضي لكنه يعتقد انه ليس هناك اتصال كلي بين الاقتصاديين. وأكد ان التراجع في الاقتصاد الأميركي سوف ينعكس درامتيكيا علي الصين والهند. وقال روزنبرج إن الاختيار الحقيقي لنظرية الانفصال يحدث عندما يبدأ الإنفاق الأميركي في التراجع. ويمثل الإنفاق الاستهلاكي الأميركي المستمر في الارتفاع بنسبة 20% من الاقتصاد العالمي. ولذلك يجد روزنبرج من الصعب الاعتقاد بأن بقية أجزاء العالم سوف تكون بمأمن من انخفاض هذا الانفاق الذي يشكل نحو تريليوني دولار من إجمالي الناتج العالمي