منذ أيام اهتزت البورصة الاسبانية وتراجعت قيمتها بنسبة 3% وكانت أسعار أسهم شركات البناء والممتلكات هي الأشد تأثرا بهذا الهبوط ونظرا لأن قطاع التشييد يمثل وحده 18% من حجم الاقتصاد الإسباني فقد سادت مخاوف من أن الازدهار الإسباني الذي قاده قطاع التشييد لمدة 14 عاما متصلة وجعل اسبانيا تحقق أعلي معدلات النمو بين دول منطقة اليورو قد وصل إلي نهايته. ومن أجل إيضاح فداحة الأزمة تقول مجلة "الإيكونومست" ان شركة استروك وهي من أكبر شركات التشييد الاسبانية هبطت أسعار أسهمها بنسبة 65% وان عدوي الغلق قد انتقلت إلي شركات الممتلكات التي هبطت أسعار أسهمها في النصف الثاني من ابريل بنسبة 20% وتجدر الاشارة هنا إلي أن أسعار أسهم شركة امستروك كانت قد زادت عشرة أضعاف منذ طرحها في البورصة في مايو من العام الماضي ولهذا تصور المراقبون ان فقاعة شركات التشييد والممتلكات قد بدأت الانفجار وأن هذا سيدفع اسبانيا خطوات عديدة إلي الخلف. لقد ظلت اسبانيا منذ انضمامها إلي منطة اليورو عام 1999 تبني المساكن بمعدلات عالية وصلت في العام الماضي وحده إلي 800 ألف وحدة سكنية أي أكثر مما بنته كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا مجتمعة وكانت اسعار المساكن تزيد بمعدلات عالية بلغت 18% في عام 2003 ولكنها تراجعت في السنوات الأخيرة مقدمة بأعلي من قيمتها بنحو 35% وبعد اهتزاز سوق المساكن في أمريكا اصبح واردا أن تنتقل عدوي هذا الاهتزاز إلي أوروبا وخاصة إلي اسبانيا وايرلندا اللتين يعتمد اقتصادهما بشكل كبير علي سوق الإسكان والممتلكات. ولعله من المهم أن نشير إلي أن اسبانيا عام 1994 كانت نسبة البطالة فيها تناهز 20% ولكنها الآن صارت توفر فرص العمل لمواطنيها وللمهاجرين إليها أيضا وقد انفردت اسبانيا بخلق 40% من فرص العمل في كل بلدان منطقة اليورو منذ انشاء هذه المنطقة قبل ثمانية أعوام ومن الظواهر المهمة التي تستحق أن ننتبه إليها في الاقتصاد الاسباني ارتفاع العجز في الميزان الحسابي الاسباني ليصل إلي 9% سنويا بما يعكس مدي شراهة الشركات الاسبانية في الاقتراض من أجل عولمة نشاطها. والحقيقة أن اسبانيا لديها العديد من الشركات العالمية القوية في قطاع الاتصالات توجد شركة "تليفونيكا" التي تعد خامس أكبر شركة اتصالات عالمية وأكبر شركة أوروبية تعمل في الخطوط التليفونية الثابتة والمحمولة معا وقد اصبحت "تليفونيكا" أخيرا أكبر حملة الأسهم في شركة الاتصالات الإيطالية "تيليكوم إيطاليا" وتقول الأرقام إن الشركات الإسبانية انفقت 80 مليار دولار علي شراء أصول في أمريكا اللاتينية خلال حقبة التسعينيات وحدها وان ذلك شمل البنوك والمرافق وشركات الاتصالات ولكنه أدي إلي اغراق تلك الشركات في الديون. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن اهتزاز البورصة يمكن أن يتحول إلي ظاهرة عابرة في أي اقتصاد متوازن أما في اسبانيا حيث الاقتصاد غير المتوازن والإنتاجية ضعيفة فإن مثل هذا الاهتزاز يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، فالاقتصاد الاسباني هو بالأساس اقتصاد خدمات تقوده عادة السياحة والبنوك وشركات التشييد والممتلكات ولكن حتي قطاع السياحة لم يعد كما كان.. صحيح ان اسبانيا التي لا يتجاوز تعدادها 43 مليون نسمة يزورها سنويا 60 مليون سائح ولكن معظم هؤلاء السياح لديهم مساكنهم التي يقطنونها علي الأراضي الاسبانية ولا ينفقون الكثير علي الإقامة في الفنادق. أما قطاع الصناعات التحويلية فهو ضعيف في اسبانيا فمصانع الصلب والترسانات البحرية موروثة من العصر الديكتاتوري الطويل عصر الجنرال فرانكو أما الصناعات حديثة فتقوم بها فروع لشركات أجنبية إلي جانب كونها محدودة للغاية ففي صناعة السيارات الاسبانية تعمل شركة رينو الفرنسية وفولكس الألمانية وقد دخلت اسبانيا في منتصف الثمانينيات لكي تستفيد من العمالة الرخيصة ولكن مثل هذه العمالة صارت متاحة الآن في شرق أوروبا كذلك فإنه لا توجد في اسبانيا صناعات ذات شأن في مجال التكنولوجيا العالية رغم مشاركتها في شركة EADS جروب التي تعمل في صناعة طائرات الإيرباص الأوروبية.