منذ عودة الديمقراطية إلي أسبانيا أعاد الأسبان اكتشاف العالم الخارجي من جديد وكان رجال الأعمال في مقدمة هذه العملية.. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن توسع الشركات الأسبانية في أوروبا دليل علي بزوغ نجم هذه الشركات كقوة عالمية يجب أن توضع في الحساب.. لقد راحت الشركات الأسبانية تشتري كل ما تطوله يدها من شركات أوروبية ولعل أحدث صفقة في هذا المجال تقدم شركة فيروفيال الأسبانية لشراء شركة المطارات البريطانية BAA التي تملك وتدير مطار هيثرو وعديد من المطارات البريطانية الأخري. ولاشك أن ما تحققه الشركات الأسبانية من أرباح عالية إلي جانب صعود البورصة وانتعاش الاقتصاد يساعد هذه الشركات علي عقد صفقات استحواذ غالية الثمن للتوسع خارج أسبانيا.. ومما يعزز صفقات الاندماج التي تقوم بها الشركات الأسبانية أن أسبانيا صارت موطنا لأكبر بنك في القارة الأوروبية وهو بنك سانتاندر وخمس من أكبر شركات التشييد الأوروبية السبع إلي جانب شركة تليفونيكا ثالث أكبر شركة اتصالات علي المستوي العالمي. وتجدر الإشارة إلي أن الشركات الأسبانية صار لها وجود قوي في أمريكا اللاتينية منذ أكثر من 10 سنوات.. وقد صارت أوروبا الاَن هي المجال الحيوي الثاني الذي تتوسع فيه تلك الشركات.. فشركة تليفونيكا قامت في العام الماضي بشراء شركة الاتصالات التشيكية سيسكي تيليكوم مقابل 5 مليارات يورو "5.95 مليار دولار" ثم اشترت شركة O2 ثاني أكبر شركة بريطانية للتليفون المحمول مقابل 26 مليار يورو.. أما بنك سانتاندر فقد قام بشراء بنك "ابي" البريطاني في عام 2004 مقابل 8 مليارات جنيه استرليني "14.8 مليار دولار" ثم دخل السوق الأمريكي في العام الماضي بشراء 20% من بنك سوفرين أحد بنوك فيلادلفيا مقابل 2.4 مليار دولار.. وفي عام 2005 أقامت شركة متروفاسيسا أكبر شركة ممتلكات أوروبية بشراء حصة مسيطرة في شركة جسينا الفرنسية مقابل 3.8 مليار يورو.. أضف إلي ذلك أن هناك عدة شركات أسبانية أصغر حجما قامت بعقد صفقات استحواذ مهمة في كل من أمريكا وشرق أوروبا واَسيا. وتقول "الإيكونوميست" إن الشركات الأسبانية تقوم بكل هذه التوسعات في الخارج برغم كون أسبانيا بلد متوسط الحجم وحديث العهد بخبرات رجال الأعمال والمنظمين ومتوسط دخل الفرد فيه أقل من المتوسط السائد في الاتحاد الأوروبي، وخبرات رجاله باللغات الأجنبية محدودة وموارده الطبيعية قليلة. وربما يقول قائل إن انخفاض أسعار الفائدة ووجود العملة الأوروبية الموحدة جعل تحويل هذه التوسعات رخيصا ولكن هذا يصدق علي كل دول الاتحاد الأوروبي وليس علي أسبانيا وحدها. ولذلك يقول مورو جوللين الأستاذ بكلية تجارة وارتون بالولايات المتحدة إن الشركات الأسبانية تتمتع هنا بميزتين إضافيتين الأولي أن هذه الشركات اعتادت التوسع في أمريكا اللاتينية وتعلمت من تجربتها هناك المهارات الإدارية وكبرت وجمعت كل ما أتيح لها جمعه من نقود، والثانية هي أن أسبانيا فتحت سوقها الداخلي للمنافسة منذ وقت مبكر عن غيرها من بلدان أوروبا فتعلمت الشركات الأسبانية أن تقوم حتي لا تغرق. وهناك بجانب ذلك عوامل داخلية تدفع إلي ازدهار هذا التوسع الخارجي الأسباني ومنها الإعفاءات الضريبية للمبالغ التي تدفع في عمليات الاكتساب. ولكن الأهم من ذلك هو وجود إحساس قوي بأن الاقتصاد الأسباني الذي ازدهر طويلا أصبح معرضا لتباطؤ النمو ولذلك تتجه الشركات الأسبانية إلي الخارج لتعويض هذا التباطؤ الوشيك في النمو الاقتصادي كما أنها تنوع أنشطتها لكي تحافظ علي مستويات أرباحها العالية. وعلي سبيل المثال فإن فيروفيال تريد بشراء BAA الحصول علي جزء من كعكة أرباحها في مجال إدارة المطارات وهي أرباح لا تتأثر بعوامل دورية مثل أرباح عمليات التشييد. كما تقوم فيروفيال بتشييد الطرق في أسواق كندا والولايات المتحدة الأكثر ربحية من السوق الأسباني.. ولنفس الهدف قفزت مترو فاسيسا إلي السوق الفرنسي لكي تؤمن لحملة الأسهم عوائد مجزية بعد اتجاه أسعار الممتلكات في أسبانيا إلي الانخفاض.