قبل أن تنتهي مباحثات مؤتمر شرم الشيخ الذي حمل عنوان "إطلاق العهد الدولي" لمساندة العراق.. وقبل أن يصدر البيان الختامي، تساءلت علي صفحات "العالم اليوم": هل يكون مصير هذا المؤتمر مختلفاً عن مصير المؤتمرات السابقة، وبخاصة مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في نوفمبر 2004 من أجل العراق أيضا؟ وكانت إجابتي المتواضعة هي: لا. والآن.. وبعد أن انفض المولد وصدر البيان الختامي.. هل تختلف الإجابة؟ الإجابة لا تختلف علي الاطلاق.. بل لعلها تزداد قتامة وبؤساً علي ضوء ذلك البيان الذي صدر في ختام مؤتمر دول الجوار العراقي الموسع بشرم الشيخ. وبالقراءة المتأنية لهذا البيان الذي يتألف من تسعة عشر بنداً لا نجد بندا واحداً، بل لا نجد كلمة واحدة، عن "الاحتلال" الأمريكي للعراق، في حين أن هذا الاحتلال هو أس البلاء وسبب كل المصائب، بما في ذلك الكوارث الأمنية والاقتصادية وغيرها التي يعاني منها الشعب العراقي. وترتب علي ذلك "الاستعباط" أننا لم نجد بنداً واحداًَ، بل لا نجد كلمة واحدة، عن انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية، أو علي الأقل مطالبة الإدارة الأمريكية بوضع جدول زمني لانسحاب قواتها من العراق. والعجيب بهذا الصدد أن هذا المطلب الأخير تصر عليه الاغلبية الديمقراطية في الكونجرس الأمريكي ذاته، وجاءت الأطراف المشاركة في مؤتمر دول الجوار العراقي الموسع بشرم الشيخ لتتغاضي عن هذه المسألة، واضعة بذلك نفسها في موقف بالغ الغرابة حيث تبدو أمريكية أكثر من الكونجرس الأمريكي!! وطالما أن البيان الختامي تجاهل واقع الاحتلال الأمريكي، وتغاضي عن المطالبة بانسحاب القوات الأمريكية أو حتي تحديد جدول زمني لخروجها من العراق، فإنه كان طبيعيا بعد ذلك الا ترد في البيان من أوله إلي آخره كلمة واحدة عن المقاومة الوطنية المشروعة للشعب العراقي ضد قوات الاحتلال. والكارثة الأكبر أن بيان مؤتمر دول الجوار العراقي الموسع لم يكتف بتجاهل المقاومة الوطنية العراقية، بل إنه أسهب في الحديث عن "الإرهاب" حيث نص البند الثالث علي إدانة جميع اعمال الارهاب بكل أشكاله في العراق، لاسيما ضد المدنيين والبنية التحتية ومؤسسات الدولة والأماكن المقدسة، والمطالبة بالوقف الفوري لجميع هذه الأعمال بغرض رفع معاناة الشعب العراقي والحفاظ علي حياة الأبرياء واحترام حقوق الإنسان وتأكيد التزامهم لضمان احترام القانون الدولي وخاصة القانون الدولي الانساني". كما حرص البند الرابع علي اعادة التأكيد في هذا السياق علي التزام جميع الدول اتساقا مع القانون الدولي والاتفاقات الدولية ذات الصلة وقرار مجلس الأمن رقم 1546 وقراراته الأخري ذات الصلة بمحاربة الانشطة الارهابية ومنع استخدام الارهابيين لأراضيهم في إعداد وتنظيم واطلاق عمليات ارهابية ويكررون تحديدا مطالبتهم بمنع انتقال الارهابيين والسلاح من وإلي العراق. كما يعود البند السادس إلي التأكيد علي ضرورة القضاء علي الارهاب وفقا للقانون الدولي باعتبار ذلك الوسيلة الأفضل لتأمين سلطة الدولة والدفع بالمصالحة الوطنية ورفع معاناة الشعب العراقي". هذا التركيز المغالي فيه علي ما يسمي بالإرهاب يتطابق مع الاجندة الأمريكية التي تبرر سياساتها الاستعمارية بالحرب علي الارهاب. كما يتطابق مع الرؤية الأمريكية التي لا تفرق بين عمليات ارهابية عمياء وبين المقاومة الوطنية المشروعة للشعوب وحركات التحرر الوطني دفاعا عن تقرير المصير. كما ينطوي علي نفاق رخيص حينما يتباكي علي "معاناة الشعب العراقي" و"حياة الأبرياء" و"احترام حقوق الانسان" التي يهدرها الإرهاب، بينما يتجاهل تماماً أن "إرهاب الدولة" الذي تمارسه قوات الاحتلال الامريكية يعصف بهذا كله ويسبب دماراً جماعياً ذهب ضحيته الآلاف المؤلفة من الأرواح البريئة لمدنيين عزل، كما يتجاهل ان الاحتلال الأمريكي هو الذي فتح أبواب بلاد الرافدين لجماعات الارهاب التي لم يكن لها موطئ قدم من قبل في العراق، ويتجاهل أن حقوق الانسان العراقي لم تتعرض لانتهاكات وحشية مثل تلك التي وقعت علي أيدي جيش الاحتلال الأمريكي في سجون أبو غريب وغيرها من المعتقلات ومعسكرات التعذيب فضلا عن الإبادة الجماعية عن طريق قصف مدن وقري بالطائرات! كل هذه الجرائم تجاهلها المجتمعون تحت سقف مؤتمر دول الجوار العراقي الموسع بشرم الشيخ ولم يتذكروا سوي عمليات الارهاب "القطاع الخاص" متناسين ارهاب "الدولة"، سواء الدولة الأمريكية أو الدولة العراقية المرتبطة بحبل سري مع البنتاجون ووكالات المخابرات الأمريكية، ولم يتذكر البيان الختامي القانون الدولي إلا عندما تطرق إلي الحديث عن الارهاب، أما احتلال بلد بكامله واستعباد شعبه فلا علاقة له بالقانون الدولي!!