يعيش سوق الممتلكات البريطاني في ظل ظاهرتين مهمتين هما السخونة الزائدة وموجة الاندماجات التي تجتاحه خاصة فيما بين شركات بناء المساكن وتقول مجلة "الإيكونوميست" إنه ليس هناك أسخن من أسعار المساكن المعروضة للبيع سوي أسعار الشركات التي تقوم ببنائها.. ففي 26 مارس الماضي اتفقت شركة تايلور وودرو علي شراء شركة جورج ويمبي مقابل 5 مليارات جنيه استرليني "9.8 مليار دولار" لتصبح بذلك أكبر شركة لبناء المساكن في بريطانيا كلها. والحقيقة أن الصفقة رغم ارتفاع ثمنها لها منطق مالي يمكن تفهمه.. ففي العام الماضي قامت الشركتان معا ببناء 22 ألف منزل أي نحو 10% من جملة المنازل التي تم بناؤها في بريطانيا في ذلك العام.. واندماج الشركتين سوف يمكنهما من خفض التكاليف بمقدار 70 مليون جنيه استرليني "137.2 مليون دولار" سنويا أو ربما أكثر من ذلك.. كما أن موقف الشركتين معا سيكون أقوي في السوق الأمريكي حيث إن لديهما عمليات بناء واسعة في كل من فلوريدا وكاليفورنيا وأريزونا وتكساس. وقد يكون هذا الاندماج هو الأكبر من نوعه ولكنه ليس الأول حيث توجد موجة اندماجات تجتاح شركات صناعة بناء المساكن في بريطانيا.. ونتيجة لهذه الموجة فإنه لم يعد باقيا من أكبر 10 شركات لبناء المساكن في بريطانيا عام 2002 سوي 6 شركات فقط، أما الأربع الأخري فقد قامت باكتسابها في السنوات الخمس الأخيرة أكبر ثلاث شركات في هذا القطاع.. كذلك فإنه منذ 4 سنوات فقط كانت أكبر 3 شركات لبناء المساكن تسيطر علي 20% من عمليات هذا القطاع زادت الاَن لتصبح 30% بعد موجة الاندماجات. وتجدر الإشارة إلي أن صناعة بناء المساكن في بريطانيا كانت منذ عام 2004 موضع انتقاد أعضاء في لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي الانجليزي وفي مقدمتهم كيت باركر.. وكانت السيدة باركر تتقصي الحقائق حول عدم كفاية المعروض من المساكنالجديدة رغم ارتفاع أسعارها حيث لم يتجاوز عدد المساكنالجديدة ال 175 ألف مسكن في عام 2001 ووجدت السيدة باركر أن أحد الأسباب هو تشرذم وعدم كفاءة شركات بناء المساكن.. وأن هذه الشركات لا تتنافس من أجل تقديم مساكن أفضل أو أرخص للناس وإنما هي منشغلة بالمضاربة علي أراضي البناء التي تعد سلعة نادرة في بريطانيا. كما وجدت الشركات المحلية ذات وضع أفضل من الشركات التي تعمل علي مستوي قومي لأن تلك الشركات المحلية تعرف الثغرات التي تستطيع النفاد منها لتحقيق المكاسب وأن نوعية المساكنالجديدة ليست علي المستوي المطلوب ومع ذلك فهي تباع عن اَخرها تقريبا بسبب زيادة الطلب ولا يتبقي منها سوي المساكن الرديئة بالفعل. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن ثمة تغيرات طرأت بعد عام 2001 أدت إلي ارتفاع عدد المساكنالجديدة تدريجيا حتي بلغت 213 ألف مسكن في عام 2005 أولها هو موجة الاندماجات وهي موجة تحركت نسبيا بسبب ارتفاع أسعار أراضي البناء حتي أن الاندماج صار وسيلة للحصول علي أراضي البناء التي تملكها الشركة الأخري وبسعر أرخص، وهذا ما تؤكده أيضا كيت موي المحللة في شركة السمسرة تيذر اند جرينوود، كما كان الاندماج من زاوية أخري وسيلة لتفادي الوقوع في قبضة شركات التخارج التي نشطت بقوة في السوق البريطاني خلال السنوات الأخيرة. أما التغير الثاني فهو اتجاه بريطانيا إلي تقليص مساحات الأحزمة الخضراء حول المدن الصغيرة والكبيرة علي حد سواء وضم جزء منها إلي الأراضي القابلة للبناء. ويقول تقرير اَخر أصدرته السيدة باركر في ديسمبر الماضي إنه ينبغي إعادة النظر في أوضاع المزارع وكل أنواع الأراضي الأخري في مختلف أنحاء بريطانيا، بحيث يتم توفير أراضي بناء إضافية تتسع لبناء 209 اَلاف مسكن سنويا علي امتداد العشرين سنة القادمة.. وهذا معناه أنه قد يمكن للشركات في المستقبل شراء أراضي بناء في ضواحي المدن. والأمر المؤكد أن هذا التغير الثاني قد يوجد حالة من تصاريح المصالح علي الأراضي المجاورة للمدن الصغيرة والكبيرة وأن ميزان القوي في هذا التصارع بدأ يميل من يد الشركات المحلية لصالح الشركات الكبري التي لديها رأسمال كاف لشراء مساحات واسعة من الأرض بل إن كثيرا من مؤسسات الاستثمار بدأت تتلمظ هي الأخري علي هذه الأرض حتي بدون أن تكون لديها خبرة في صناعة البناء. ونستطيع القول في ضوء زيادة الصراع علي الأراضي القابلة للبناء إن اندماج تايلور وودرو مع جورج ويمبي لن يكون الأخير.. وأن شركات التخارج سوف تدخل في هذا السباق كما أن شركات البناء الصغيرة هي الأخري ستحاول أن تندمج معا لتكبر مستفيدة من سخونة قطاع الإسكان وموجة الاندماجات التي تجتاحه.