تحتفل أوروبا والعالم هذه الأيام بذكري مرور 50 عاما علي إبرام معاهدة روما في 25 مارس عام 1957 وهي المعاهدة التي قام علي أساسها الاتحاد الأوروبي بعد ذلك.. وفي هذا التقرير تستعرض مجلة "الإيكونوميست" ما شهده الاتحاد الأوروبي من تطورات اقتصادية خلال السنوات الخمسين الأخيرة. وعادة ما تكون الأرقام هي الأصدق دلالة.. فبعد 6 سنوات من الركود يستجمع الاقتصاد الألماني سرعته وهو كما نعرف أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2006 كان معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي لدول الاتحاد الأوروبي هو 2.9% في المتوسط، أما معدل النمو في منطقة اليورو وحدها فقد كان 2.7% وفي الربع الأخير من عام 2006 فإن معدل النمو في منطقة اليورو تجاوز لأول مرة منذ 5 سنوات معدل النمو في الاقتصاد الأمريكي.. كذلك هبط معدل البطالة في دول اليورو إلي 7.5% في المتوسط وولدت المنطقة 12 مليون فرصة عمل خلال السنوات الثماني الأخيرة وحتي نمو الإنتاجية بدأ هو الاَخر في الزيادة ونتيجة لذلك كله عم التفاؤل أوروبا كلها. وهذا التفاؤل يأتي بعد فترة ممتدة من الكاَبة.. ففي العقد الماضي كان النمو الاقتصادي باهتا والإنتاجية في حالة جمود بل كانت تتراجع في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي، أما البطالة فقد كانت مرتفعة بشكل غير عادي وهذه أوضاع تتناقض مع ما كانت عليه بلدان الاتحاد الأوروبي عند توقيع معاهدة روما عام ،1957 فألمانيا في ذلك الحين كانت تعيش معجزتها الاقتصادية حيث النمو سريع والبطالة منخفضة وارتفاع مستوي المعيشة في زيادة مطردة.. وفرنسا تتمتع هي الأخري بعقودها الذهبية الثلاثة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حيث كان كل شيء يسير بشكل صحيح.. أما إيطاليا فكانت تخطو بثبات لدخول نادي الأثرياء الأوروبيين. وبعد ازدهار الخمسينيات والستينيات كان طبيعيا أن تشهد أوروبا بعض التباطؤ.. فنحن نعرف أن عملية إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية قد أنعشت النمو، وانتقال العمال من الزراعة إلي الصناعة رفع الإنتاجية وزاد من نمو إجمالي الناتج المحلي.. ودخل المزيد من النساء إلي حلبة العمل.. وبعد أن استنفدت هذه العناصر ما تمثله من قوة دفع كان طبيعيا أن يحدث بعض الوهن.. ونفس هذه العناصر لعبت دورا مماثلا في بلدان غنية أخري مثل الولاياتالمتحدة.. ولكن بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة دول اليورو كان أداؤها الاقتصادي في السنوات الأخيرة أقل من الأداء الأمريكي رغم تقارب الطرفين من حيث حجم الناتج المحلي.. فمتوسط دخل الفرد في دول اليورو يقل 30% عن مثيله في أمريكا والفجوة بين الطرفين هنا متزايدة. وتقول أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن متوسط دخل الفرد في دول اليورو يزيد بمعدل 5.1% سنويا في حين أن مثيله الأمريكي يزيد بمعدل 2% سنويا.. كذلك تباطأ نمو الإنتاجية في أوروبا في التسعينيات بينما تسارع نموها في أمريكا خلال نفس العقد كما أن البطالة في أوروبا كانت دائما أعلي منها في أمريكا.. وقد كان الأوروبيون أبطأ في دخول عصر تكنولوجيا المعلومات كما كان مناخهم الاقتصادي أقل دعما للابتكار والأبحاث والتنمية. وأمام الخوف من تزايد الفجوة الاقتصادية بين الأوروبيين والأمريكيين علي ضفتي الأطلنطي اتخذ رد الفعل الأوروبي شكلين رئيسيين، الأول هو إقامة منطقة اليورو عام 1999.. والثاني هو وضع جدول أعمال لشبونة في عام 2000 لتعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي. وقد كان الهدف الطموح لجدول أعمال لشبونة هو جعل أوروبا المعرفة الأكثر تنافسية وديناميكية علي مستوي العالم بحلول عام ،2010 وتضمنت الخطة دفع الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية ودعم اليورو لزيادة حجم التجارة البينية ووضع نظم أسعار وأجور صارمة يتسارع معها الإصلاح الهيكلي في كل الاقتصادات الأوروبية ولكن أكثر الأوروبيين حماسا سوف يدرك أن مردود هذه الاَمال لايزال قليلا.. وإن ما حدث أخيرا من تحسن في الأداء الاقتصادي قد لا يكون قابلا للدوام. فما إذن مشكلة أوروبا؟ دعونا نقل أولا إنه أيا كانت هذه المشكلة فإنها لا تخص أوروبا كلها ولا حتي أوروبا الداخلة في منطقة اليورو.. فأوروبا قارة متنوعة تضم ثلاثة من أكفأ اقتصادات العالم وأكثرها تنافسية وهي الدانمارك وفنلندا والسويد.. كما أن بريطانيا وايرلندا كان أداؤهما جيدا في السنوات الأخيرة ولا يقتصر حسن الأداء علي اقتصادات شمال أوروبا بل إن أسبانيا كان نموها سريعا منذ عام 1999 ومن هذه الاقتصادات الستة يوجد ثلاثة أعضاء في منطقة اليورو. وتقول "الإيكونوميست" إن سوء الأداء الأوروبي يتركز في قلبها وقلب منطقة اليورو الذي تمثله كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا فهذه الدول الثلاث تستحوذ علي ثلثي إجمالي الناتج المحلي لدول اليورو ولذلك فإخفاقاتهم تلقي بظلالها علي دول اليورو وعلي الاتحاد الأوروبي ككل.. وهناك اتفاق علي أن المرض في أوروبا وطني أي في مستوي كل دولة علي حدة وليس علي المستوي الأوروبي كله وأن الحلول الناجعة ينبغي أن تكون أيضا وطنية. والحقيقة أنه ليس هناك اتفاق عام علي نوعية هذه الحلول والعلاجات.. وهناك من يري أن تدخل الدولة في أسواق العمل والإنتاج في الدول الثلاث الرئيسية "ألمانيا وفرنسا وإيطاليا" يجعل هذه الأسواق غير مرنة. وقد دعا كل من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلي مزيد من الليبرالية لتحسين الأداء الاقتصادي في هذه الدول.. وحتي السياسيون يدركون ذلك ولكنهم للأسف سرعان ما يضعون العوائق أمام الإصلاح. أما جواكين ألومنيا المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي فإنه يعتبر ما حدث من تحسن في السنوات الأخيرة شيئا قابلا للاستمرار وأن الإصلاحات التي تمت حتي ولو كانت جزئية تحتاج إلي وقت لكي تؤتي كل ثمارها.. وإذا كانت أوروبا تناقش نفسها كثيرا الاَن حول كل شيء من الدستور الموحد إلي العملة الموحدة فإن أخطر شيء علي الاتحاد الأوروبي وهو يحتفل بعيده الخمسين هو أن يقف أعداء الإصلاح الاقتصادي في خنادقهم متصورين أن ما حدث من تحسن في حد ذاته دليل علي أن المزيد من الإصلاح أمر غير مرغوب وإذا حدث ذلك فستدفع دول الاتحاد الأوروبي الثمن غاليا في المستقبل.