القرار المفاجئ لوزير الصناعة رشيد محمد رشيد بفرض رسوم علي صادرات الأسمنت والحديد وتصل الرسوم الي 65 جنيها لكل طن أسمنت و160 جنيها لطن الحديد هدف القرار السيطرة علي جنون الاسعار والمغالاة من المنتجين والتجار والقرار بالطبع له جوانبه الاخري السياسية والاقتصادية مثل تأثيره علي أسعار الاسهم والبورصة. وببساطة قبل الحكم علي أي قرار لابد من النظر الي أسبابه ونتائجه والبدائل الاخري له وايهما افضل فهذا القرار جاء كما اسلفنا للسيطرة علي الارتفاع المبالغ فيه لاسعار مواد البناء وبخاصة الحديد والاسمنت وجاء بعد يأس الحكومة من وجود تجارب من المنتجين والتجار للسيطرة علي الأسعار ولكن لماذا رفع المصنعون الاسعار؟ ما يذكره المصنعون والتجار ان الاسعار العالمية مازالت أعلي كثيرا من مستوي الحديد والاسمنت في السوق المحلي وبالتالي لجأ هؤلاء التجار الي التصدير لتحقيق ارباح مرتفعة وتعطيش السوق المحلي وهو مما أدي الي الارتفاع الكبير للأسعار وأكد المصنعون ان الاسعار رخيصة وطالبوا بمقارنتها بمثيلاتها العالمية. ولكن هؤلاء المصنعون والتجار تناسوا عن عمد عدة نقاط أولا أن الدولة تعطيهم الطاقة بأسعار تقل 40% علي الأقل عن مستوياتها العالمية وكذلك العمالة المصرية ارخص كثيرا عند مقارنتها بالمستويات العالمية. والأهم أن هؤلاء المصنعون يحصلون علي الخامات بأسعار رخيصة جدا من المحاجر التي هي ثروة يملكها الشعب وتمثله الحكومة وكذلك ما يتحمله هذا الشعب من نسب تلوث مرتفعة نتيجة لصناعة الأسمنت التي تعتبر من أكبر الصناعات الملوثة قاطبة. إذن مسألة المقارنة بالمستويات العالمية للأسعار غير مبررة علي الاطلاق نعم الصادرات للأسواق العالمية تكون بهذه الاسعار وبشكل تنافسي يحكمه العرض والطلب، أما إذا أرادت هذه الشركات ان ترفع الاسعار في السوق المحلي للمستويات العالمية فعليها اولا ان ترفع أسعار الطاقة بالمستويات العالمية وثانيا ان ترفع اجور العمال والمهندسين والموظفين للمستويات العالمية وهو ما لا يحدث في ظل غياب جماعات الضغط من نقابات عمالية قوية ونتيجة لسيطرة الدولة علي اغلب النقابات وكذلك غياب مؤسسات المجتمع المدني وثالثا علي هذه الشركات ان تدفع للمجتمع ضرائب وأموال لحل مشاكل التلوث التي تسببها في البيئة المحيطة ورابعا عليها ان تدفع اثمان أعلي للمحاجر التي تستغلها لانتاج الاسمنت والتي تعتبر من اجود وافضل المحاجر علي مستوي العالم. والتساؤل هنا هو: لماذا لجأت الدولة إلي فرض رسوم علي الصادرات وهل كانت هناك بدائل أخري لحل المشكلة؟ إن لجوء الدولة لفرض رسوم علي الصادرات يؤكد عجز الدولة عن اثبات وجود حالة من الاحتكار الجماعي لشركات الاسمنت ووفقا لدراسات منشورة اتفقت شركات الاسمنت عام 2003 علي توزيع السوق الي مناطق احتكارية بعد ان هبط سعر الطن الي 130 جنيها ونتيجة لهذه الاتفاقية ووجود نقص في الاسواق العالمية بدأت الاسعار في الارتفاع وبدأت الشركات في التصدير بكثافة ليرتفع سعر الطن الي 350 جنيها. وفشلت المحاولات مع الشركات لتخفيض اسعار الاسمنت والحديد ايضا الذي يعاني من شبهات الاحتكار رفعت سعر الطن الي 4000 جنيه قبل القرار والفشل يعود لعدة اسباب اولها غياب دور الدولة الرقابي علي الاسواق والفشل الذريع في تفعيل قانون حماية المستهلك، غياب السياسات الرقابية من المؤسسات المدنية بل وغياب أي دور حقيقي لمؤسسات المجتمع المدني في الضغط، وبالتالي فالأسواق الداخلية صارت مرتعا للاحتكارات ورفع الأسعار فهل هذه هي الليبرالية الحقيقية؟ أم أن الليبرالية تتطلب رقابة قوية وفعالة ونشاطا لدور الدولة في ضبط الأسواق؟ وإذا كان هناك طلب علي الأسمنت المصري وارباح شركاته هائلة فلماذا لا يتم انشاء مصانع جديدة؟! إذن البديل لقرار رشيد الذي سيؤثر حتما علي الاستثمار كان زيادة الرقابة علي الاسعار وفرض حد أقصي لسعر الطن فالاسواق الحرة لا تعني الاستغلال والنهب وزيادة الدور الرقابي لمؤسسات المجتمع المدني. أما قرار فرض رسوم علي الصادرات فهو يأتي من منطق دولة الجباية والضرائب والذي تتسم به الحكومات المصرية منذ أيام الفراعنة بفرض ضرائب ودمغات تثقل كاهل الفلاحين والموظفين والقطاع الصناعي. كما ان أية دولة في العالم تسعي دائما لتشجيع الصادرات ولا نستطيع ان نقارن انفسنا لا بالصين ولا ماليزيا ولا أية دولة من جنوب شرق آسيا والتي تحقق فوائض هائلة في موازينها التجارية بينما نعاني نحن في مصر من عجز مزمن ومستمر يصل الي اكثر من 11 مليار دولار سنويا وكان من المفروض ان تحدد كمية الاستهلاك في السوق المحلي وتحدد لكل شركة كمية للتصدير من الفائض بالنسبة والتناسب لحجم انتاج كل شركة ورغبتها في التصدير من عدمه. وأذكر هنا ان الحكومة اصدرت منذ 3 اعوام تقريبا قرارا بوقف تصدير الاسمدة ووقتها كان الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الحالي هو وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الذي أكد علي القناة الأولي للتليفزيون المصري ان قرار وقف تصدير الاسمدة خاطئ واعترض عليه واشار الي ضرورة المحافظة علي الأسواق التي تم فتحها والالتزام بعقود التصدير وقال ان هناك بدائل مثل الاستيراد لتغطية الفجوة المؤقتة مع استمرار الصادرات للحفاظ علي الأسواق وانشاء مصانع جديدة للأسمدة وهو رأي يحترم. ومن نفس المنطق فإن إعاقة الصادرات مرفوضة في ظل العجز في الميزان التجاري وفي ظل المنافسة العالمية علي فتح الاسواق والتميز في سلعة ما والحكومة لجأت الي هذا القرار لعجزها عن القيام بدورها الرقابي أو تفعيل قانون حماية المستهلك. والبدائل اما تحديد سقف سعري لطن الاسمنت او ان تدفع الشركات التكلفة الفعلية للانتاج والفارق في الاجور والطاقة واسعار الخام وتلويثها للبيئة او تحديد سقف لصادرات كل شركة يتناسب مع حجم انتاجها بعد كفاية السوق المحلي اما فرض رسوم علي الصادرات فيأتي من منطق الجباية والعجز عن الرقابة في ظل التوجهات لاقتصاد ليبرالي ونؤكد ان الليبرالية الحقيقية والاسواق المفتوحة هي مسئولية مشتركة للحفاظ علي حقوق المجتمع بين الحكومة والشعب ورجال الأعمال. [email protected]