عندما تقدم وزير المالية الكندي جيم فلاهرتي بمقترح الموازنة للسنة المالية الجديدة قبل أيام قليلة أدلي بتصريح لاشك أن العديد من وزراء المالية في العالم سيحسدونه عليه.. فبعد أن قدم لمحة عامة عن الوضع الاقتصادي في كندا أضاف أن فائض الموازنة للسنة المالية الحالية قد بلغ 4.2 مليار دولار كندي أي ما يعادل 3.7 مليار دولار أمريكي. ورغم أن الفائض كان متوقعا حتي قبل انتهاء السنة المالية فإن النتائج النهائية فاقت التوقعات بأكثر من 600 مليون دولار كندي، وأكد وزير المالية الكندي أن الفائض سيمكنه من خفض الضرائب وتقليص الدين الوطني الذي يصل إلي 480 مليار دولار كندي وذلك بمعدل سريع يمكن التخلص منه نهائيا بحلول 2021. غير أن هذه الطموحات التي أوردها جيم فلاهرتي في معرض حديثه عن الاقتصاد الكندي سرعان ما قلل من شأنها السياسيون والخبراء الاقتصاديون منبهين إلي أن اقتراح وزير المالية لن يساهم في إلغاء الدين بقدر ما سيعيد جدولته. وتبقي الإشارة إلي أن الوزير فلاهرتي لم يتطرق إلي بعض الصعوبات البسيطة التي تشغل بال الرأي العام المتتبع للاقتصاد الكندي. فرغم أن التوقعات تشير إلي نمو الاقتصاد الكندي بمعدل 2.8% خلال السنة الجارية فإن ثمة فجوة مازالت قائمة بين الشرطين الغربي والشرقي للبلاد ما فتئت تتسع عاما بعد اَخر.. فقد أدي إغلاق عدد من المصانع في محافظة أونتاريو التي تعرف بها أكبر عدد من السكان في كندا بسبب ارتفاع قيمة الدولار الكندي وتأثير ذلك علي الصادرات إلي انكماش معدل النمو الاقتصادي للمحافظة بحيث لن يتعدي حسب التقديرات معدل 5.1%.. لكن إلي الغرب من المحافظة وتحديدا في محافظة ألبيرتا الغنية بمواردها البترولية يتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي في المنطقة 6.3%. وفي هذا الصدد يقول جريج رايت مدير "رويال بانك أوف كندا" إنه نوع من الفجوة التي تفصل المناطق الشرقية عن نظيرتها الغربية والجزء الواضح منها هو أسعار السلع. ويتضح الوضع المزدهر للمناطق الغربية من البلاد بشكل جلي من خلال طلب ميليسا بليك عمدة إحدي البلديات في محافظة ألبيرتا من الوكالة المكلفة بمنح التراخيص لشركات البترول وقف مشروع لاستغلال الرمال البترولية في المنطقة تقدر قيمته ب 6.5 مليار دولار كندي كانت ستقوم به "إيمبريال أويل" التابعة لشركة البترول العملاقة "إكسون موبيل" لأن المنطقة اكتفت من شركات الطاقة التي تقوم بمشروعات للتنقيب عن حقول جديدة أو تطوير حقول أخري. وقد أدي هذا الانتعاش في مجال الطاقة ب "ألبيرتا" إلي ارتفاع كبير في أسعار البيوت إلي حد أن المدافعين عن سكن في المتناول يقولون إنه حتي الأشخاص الذين يتوفرون علي عمل باتوا غير قادرين علي إيجاد منازل، مما يدفعهم إلي المبيت في سياراتهم. وغير بعيد عن ألبيرتا في درايدن ب "أونتاريو" وهي المنطقة الفاصلة بين الغرب والشرق تبدو الصورة مختلفة نوعا ما حيث صرحت عمدة المدينة في لقاء صحفي بأن عددا كبيرا من المنازل معروض للبيع بسبب إغلاق مصنع الورق الذي كان يؤمن ما بين 700 و 1200 وظيفة. وتعزي الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها المناطق الغربية إلي ارتفاع قيمة الدولار الكندي إلي حوالي 50 سنتا منذ 2002 مقارنة بالدولار الأمريكي فضلا عن الزيادة في تكلفة الطاقة مما دفع إلي إغلاق عدد غير قليل من المصانع في شرق كندا. ورغم أن محافظة أونتاريو الشرقية مازالت تعد قلب كندا النابض في مجال صناعة السيارات حيث تضم مصانع كبيرة تؤمن ما يربو علي 50 ألف وظيفة فإن صادرات السيارات إلي الولاياتالمتحدة انخفضت بنسبة 6% خلال الأشهر الستة الماضية. ورغم هذا توقع محللون أن يواصل الاقتصاد الكندي نموه بمعدلات كبيرة في السنوات القادمة لاسيما مع تنوع فرص الاستثمارات في كندا. إذ تنتمي كندا إلي مجموعة البلدان الأكثر تصنيعا في العالم.. ويرتكز النجاح الاقتصادي الكندي علي وفرة الموارد الطبيعية والطاقوية وعلي الفلاحة العالية الإنتاجية وعلي قطاع صناعي ناجح وخدمات نشطة جدا. وتحتوي كندا علي مصادر طبيعية متعددة منها الأخشاب والبترول والغاز الطبيعي والمعادن الصلبة والسمك.. وأهم مدن كندا أونتاريو ومونتريال وفانكوفر وأوتاوا "وهي العاصمة" وإدمونتون وكالجاري و"وني بج" وكلها مدن تعج بالمدنية والصناعة والتجارة وتعد كندا أول مصدر للأسماك والقشريات في العالم. وتعتمد الفلاحة المزدهرة علي زراعات القمح والزيتونيات وعلي تربية الماشية وتوافر صناعة الغابات. وتمثل الثروات المعدنية والطاقوية الوفيرة عاملا أساسيا للتقدم الاقتصادي في كندا: البترول والغاز الطبيعي والحديد والنيكل واليورانيوم والبوتاس والرصاص والنحاس والزنك والذهب والفحم. ويتمتع القطاع الصناعي المتنوع برؤوس أموال وتقنيات من الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما أن القطاعات النشطة في الاقتصاد الكندي هي صناعة التعدين والصناعات الكيميائية والغذائية والنسيج ومعدات وسائل النقل. وتلعب المعلوماتية وقطاع الاتصالات دورا مهما في الاقتصاد الكندي. ويشغل قطاع الخدمات أكثر من ثلثي الطبقة النشطة وتتمثل أهم فروعه في السياحة والخدمات التجارية والإدارية "التربية والصحة". وفي ضوء هذا كله ومع تنوع أنشطة الاقتصاد الكندي وتعدد موارده تشير التقديرات وتوقعات الخبراء الاقتصاديين إلي أن اَفاقا واسعة ومجالات رحبة تنتظر الاقتصاد الكندي.