الآلاف من الخريجين يتوافدون سنويا علي سوق العمل والبطالة وصلت إلي معدلات غير مسبوقة ورغم ان الوظيفة الحكومية لم تعد حلما للشباب بسبب ضعف المرتبات ولاسيما في ظل الارتفاع الرهيب في أسعار السلع والخدمات إلا أن معظم الشباب يفضلون الوظيفة الميري لشعورهم بأن العمل مع "الحكومة" فيه أمان واستقرار، ولاسيما ان القطاع الخاص لم يستطع حتي الآن ان يفرض نفسه كقناة طبيعية للعمل.. يجد فيها الشاب نفسه وتلبي طموحاته المادية والمعنوية لأن المستقبل في العمل لهذا القطاع والعيب الخطير في هذا القطاع هو عدم الأمان الذي يشعر به العامل داخله وتهديده بالاستغناء عنه أو الفصل في أي وقت بسبب ضعف العلاقة التعاقدية بين العامل ورب العمل، كما ان الاتجاه نحو الخصخصة وبيع الشركات العامة قد جعل من العمالة أم المشكلات لأن صاحب العمل الجديد لا يرغب في الاحتفاظ بالعمالة ويطبق دائما نظام المعاش المبكر، كما ان العمال في ظل الخصخصة لا يشعرون احيانا بالأمان.. ومن هنا كانت الوظيفة رغم ضعف مرتباتها هي الملاذ الآمن للعاملين. ولكن في نفس الوقت تعاني الأجهزة الحكومية من ضعف أداء الموظفين وقلة الأعمال التي ينجزونها، كما ان إنتاجية العامل في الشركات والمصانع العامة ضعيفة للغاية. وعلي الرغم من خطة الحكومة لاستيعاب القطاع الخاص لمزيد من قوة العمل من خلال إبطاء التعيينات في الوظائف الحكومية، وتشجيع الإجازات غير مدفوعة الأجر والتخلي عن الالتزام بتعيين الخريجين إلا ان هناك إقبالا شديدا علي الوظيفة في الحكومة. وطبقا للاحصاءات فإن قوة العمل قد ارتفعت من 17 مليونا في 98/1999 إلي 21.4 مليون في عام ،2004 وقد بلغ عدد المشتغلين فعليا 19.1 مليون موظف يتوزعون علي القطاع الحكومي الذي يعمل به حوالي 5.7 مليون موظف، كما بلغ عدد العاملين في القطاع الخاص غير المنظم 6.9 مليون عامل وهم العاملون بالورش الصغيرة والأعمال اليدوية والحرفية والباعة الجائلين وعمال التراحيل مقابل 5 ملايين يعملون في القطاع الخاص المنظم. وتمثل الأجور في القطاع الحكومي أعلي نسبة انفاق في الموازنة العامة للدولة حيث ارتفعت من 7118 مليونا العام المالي 90/1991 أي "19% من إجمالي الانفاق العام" إلي 37.3 مليار عام 2003/2004 أي "24.3% من اجمالي الانفاق العام". ويذكر ان الموظف يعتبر عماد الدولة منذ نشأتها في العصر الفرعوني والحديث وكانت البيروقراطية المصرية في الجهاز الإداري هي الدافع الأول للتنمية، وكانت العشوائية في التوظيف التي ظهرت بعد الثورة لارضاء الرأي العام هي السبب الرئيسي لتضخم الجهاز الحكومي. وقد جاء في دراسة أكاديمية البحث العلمي بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية مؤخرا ان الوقت الضائع في دواوين الحكومة قد بلغ 10 مليارات جنيه سنويا، كما تم إهدار 1.2 مليار ساعة عمل، ويبلغ متوسط ساعات عمل الموظف ساعتين يوميا والعامل 28 دقيقة كما يحصل الموظف والعامل علي 59 يوما إجازة في السنة، وتبلغ عدد ساعات العمل لكل موظف سنويا 560 ساعة أكثر من 50% منها تضيع في قراءة الصحف واستقبال الضيوف والانصراف المبكر والتأخر في الوصول إلي العمل. وأذكر في هذا السياق.. انه عند دخولي إحدي المؤسسات الحكومية لانهاء بعض الأوراق الخاصة بي، فقد فزعت عندما رأيت المكتب الحكومي وقد تحول إلي ما يشبه "ميدان العتبة" حيث يمر عليه الباعة الجائلون كل دقيقة ليعرضوا علي الموظفات بضاعتهم، وقد خلت مكاتب الموظفات من الأوراق والدوسيهات وانخرطن في الحديث عن البضاعة المعروضة وأيها أحسن جودة وأرخص سعراً؟ ويتساءل "الأسبوعي" عن أسباب تعلق الشباب بالوظيفة الحكومية؟ وما أسباب تزايد العمل بالقطاع الخاص غير الرسمي علي حساب القطاع الخاص الرسمي؟ وما هي الوسائل اللازمة لضبط هذه المعادلة المقلوبة؟ في البداية يري السفير الدكتور جمال بيومي رئيس جمعية المستثمرين العرب أن السبب في ذلك هو العيوب الموجودة في القطاع الخاص فيقول: إن القطاع الخاص أصبح قطاعاً عائلياً، حيث يتم تعيين أقارب صاحب العمل في شركته، كما ان صاحب العمل يعتبر نفسه هو الآمر الناهي، والذي له الحق في طرد العامل أو توبيخه دون ضوابط. ويري بيومي أن "الدمايطة" هم أكثر الناس الذين نجحوا في تطبيق فكر القطاع الخاص، فكل أسرة في دمياط لديها مشروعها الخاص، أما مجتمع القاهرة بحكم انه غير صناعي أو زراعي فينشط فيه القطاع الإداري وأغلبه من الموظفين.