أصدرت هيئة سوق المال الاسبوع الماضي قواعد جديدة لتجزئة الاسهم لمواجهة فوضي التجزئة التي شهدها السوق الفترة الماضية حيث ألزمت الشركات الراغبة في التجزئة بإخطار البورصة والهيئة بمحضر مجلس ادارة الشركة المتضمن قرار مجلس الادارة بموافقة الجمعية العمومية العامة لتنفيذ التجزئة واسبابها ومبرراتها ولا يجوز للشركة الاستمرار في اجراءات التجزئة في حال اعتراض الهيئة علي ذلك.. والمثير ان الهيئة لم تكتف باعلان اجراءاتها لوقف سيل التجزئة الذي انهمر في الشهور الماضية وعمليات المضاربة والارباح الخيالية التي حققتها وانما تحدثت عن هذه الظاهرة بصراحة مطالبة المتعاملين في البورصة عدم الاقبال علي شراء اسهم الشركات بعد تجزئتها لمجرد التجزئة وإنما بعد دراسة اوضاع الشركة وهو ما يدفعنا لطرح تساؤلات عدة حول الدور المنوط للهيئة في السوق وماهي حدوده، هل تدخل الهيئة في آليات التجزئة يعد تشويها لآليات السوق الحر، وهل من حق الهيئة ان تحذر من شراء اسهم أيا كانت أم عليها ان تلتزم الحياد. بداية يوضح المحلل المالي عصام مصطفي ان الدور الرقابي لهيئة سوق المال والبورصة ينقسم لشقين دور رقابي مقنن يتعلق بالقواعد العامة الخاصة بالتداول والترخيص ودور اداري يخدم الحفاظ علي الاستقرار وتنمية سوق المال وفي اطار هذا الدور الاخير للهيئة الحق في اتخاذ أي اجراء طالما انها تخدم المصلحة العامة وهو دور نسبي تستطيع ان تلعبه بأساليب مختلفة حسب ظروف السوق وهناك امثلة عدة علي ذلك مثل رقابة الهيئة علي الاسعار والتداول وعمليات التلاعب. ويري مصطفي ان الضوابط الجديدة تأتي في هذا الاطار خاصة وان عمليات التجزئة لبعض الاسهم الخاسرة للتداول عليها تحولت في الفترة الاخيرة الي ظاهرة والاصل في علاج أي ظاهرة هو منعها لحين النظر في مسبباتها وعلاجها لذا فكان من المنطقي وضع ضوابط علي عمليات التجزئة لحين اصلاح السوق وعلاجه من هذه التشوهات. ويلفت عصام مصطفي الي ان ضبط التجزئة هو انسب الحلول نظرا الي ان الوسائل الاخري المطروحة الخاصة بتتبع المتلاعبين والتحقيق معهم ستفتح الباب امام مهاترات قانونية تتطلب وقتا كبيرا في الفصل فيها في الوقت الذي يتغير فيه سوق المال بسرعة كبيرة. ويري مصطفي ان ادارة سوق المال لعبت دورا ايجابيا في ضبط السوق خلال الفترة الاخيرة وان تحذيراتها بشأن اسهم التجزئة او تحذيرات وزير الاستثمار بشأن شركات توظيف الاموال لا تعد توجيها للسوق بل هي تحركات ايجابية تحسب لهم نظرا الي انهم ينبهون للازمات قبل استفحالها ولنا ان نأخذ علي ذلك مثالا بقضية توظيف الاموال وكيف انكشفت مشكلاتها بعد ان جمعت كميات ضخمة من مدخرات المواطنين. الوصاية علي المستثمرين ويؤيد هاني توفيق رئيس الاتحاد العربي للملكية الخاصة الضوابط الجديدة معتبرا اياها حماية للمستثمرين من الاندفاع غير المنطقي وراء الاسهم التي تمت تجزئتها بغير مبرر مشيرا الي ان هيئة سوق المال من حقها ان تلعب في الاسواق الناشئة دور الجمعية العمومية ودور الوصي علي المستثمرين في السوق ايضا اذا لم يتوافر لدي هذه الاطراف الوعي الكافي كما حدث مع اسهم التجزئة الخاسرة خاصة وان 80% من مستثمري السوق مازالوا من الافراد. ويشير الي ان السوق المصري شهد ظاهرة قد تكون نادرة وهي التجزئة علي اسهم بقيم شديدة الانخفاض وهي ظاهرة غير مبررة علميا نظرا الي ان عمليات التجزئة تتم اما لان الاسهم المطروحة للشركة سعرها مرتفع او انها مطروحة بعدد قليل وهو ما يؤكد علي ان هذه التجزئة كانت مقصودة وتستوجب ابتكار ضوابط للتجزئة حتي وان كانت غير شائعة في اسواق المال. وعن تحذيرات الهيئة يري توفيق انها لا تمثل توجيها للسوق نظرا الي ان الهيئة ليس من المفترض ان تكون محايدة وانما تكون منظمة للسوق وان هذه التحذيرات تمثل طلقات تحذيرية لشركات استغلت ثغرات في القانون تربحت من ورائه وتسببت في خسائر كبيرة لصغار المستثمرين، ويري توفيق ان افضل ضابط لعملية التجزئة يكون بوضع حد ادني لسعر السهم الجاري تجزئته. الخاسر يخرج من السوق ويؤيد المحلل المالي محمد الصهرجتي اعلان هيئة سوق المال بشأن تجزئة الاسهم ايضا حيث اعتبر الضوابط الجاري اصدارها ستتم في اطار دور الهيئة الرقابي مشيرا الي ان العواقب الوخيمة من وراء هذه الضوابط ستقع علي عاتق الشركات الخاسرة التي كانت تستغل تجزئة الاسهم لتشجيع المضاربة عليها وهذه المضاربات مرفوضة ومن مصلحة السوق وقفها اما الشركات التي لديها مبررات مقنعة للتجزئة فهي بالتأكيد لن تتضرر من هذه الضوابط. ويعتبر ايضا ان التحذيرات بشأن اسهم التجزئة وتصريحات محيي الدين لا تعطي انطباعا سلبيا سوي للمضاربين الذين نود ان نلفظهم من السوق اما المستثمرون الجادون فسيشعرون بايجابية هذه التصريحات. ويري ناجي هندي مدير الاستثمار ببنك مصر ايران للتنمية ان الضوابط الجديدة الخاصة بالتجزئة الجاري اصدارها تستوجب دراسة دقيقة حتي لا تصدر متصادمة مع قانون سوق المال الا انه يعتبر ان فكرة وجود ضوابط من حيث المبدأ لا تتصادم مع القانون وانها لا تعني اشتراط موافقة او عدم موافقة الهيئة علي التجزئة وإنما هي فقط مجرد ضبط لسوق المال. ويعتبر هندي ان الهيئة تأخرت في اتخاذ موقف بشأن الصعود غير المبرر لاسهم الشركات الخاسرة بعد التجزئة وان تحذيراتها تأخرت ايضا مشيرا الي ان صدور هذه التحذيرات بعد تحذيرات محيي الدين عن شركات توظيف الاموال يعطي انطباعا ايجابيا بالحماية لصغار المستثمرين ولا تعد توجيها للسوق لانها لم تخرج عن الاطار القانوني. التدخل في للسوق وفي المقابل يعتبر عيسي فتحي رئيس مجلس الادارة للمجموعة الاستراتيجية ان تحذيرات وزير الاستثمار بشأن شركات توظيف الاموال حماية للسوق من اجراء قانوني الا انه يري ان ضوابط الهيئة بشأن اسهم التجزئة تعد تدخلا في السوق يخرج عن الحدود المفروضة لدور الهيئة كمراقب ومنظم للسوق كما يتعارض مع اهداف الهيئة في توسيع قاعدة المستثمرين بالبورصة لان التجزئة كانت احد العوامل الجاذبة للمستثمرين. ويضرب فتحي مثالا علي كيفية ممارسة دور المراقب والمنظم للسوق بدون التدخل المباشر بدور البنك المركزي في سوق النقد حيث يعطي البنك اسعارا تأشيرية للفائدة ولا يشترط موافقته علي اسعار الفائدة بالسوق. ويري فتحي ان الضوابط الجديدة بشأن التجزئة كان من الممكن الاستغناء عنها ووقف التلاعب عن طريق تتبع المتلاعبين في السوق من خلال المعلومات الغزيرة المتوافرة لديها عن عمليات التداول علاوة علي انه من السهل تحديد المتلاعبين نظرا الي انهم عادة ما يكونون اول من يدخل لشراء هذه الاسهم ثم يتبعهم صغار المستثمرين. ويلفت فتحي الي ان المادة 63 في قانون سوق المال تمكن الهيئة من أخذ اجراءات حازمة في مواجه المتلاعبين في السوق لما نصت عليه من انه يعاقب بالحبس كل من عمل علي قيد سعر غير حقيقي أو عملية صورية أو حاول بطريق التدليس التأثير في اسعار السوق، ويري فتحي ان الهيئة هي التي فتحت الباب لوجود ظاهرة التجزئة عن طريق تعديل الحد الادني للقيمة الاسمية للسهم من 5 جنيهات الي جنيه واحد وهو ما يعد تحريضا من وجهة نظره علي التجزئة ويري ان الهيئة الآن تحاول علاج ذلك بأسلوب يتعارض مع القانون بينما من الممكن اعادة تعديل القانون ورفع قيمة السهم المراد تجزئته وهو ما كان سيمثل خطوة مهمة لحل المشكلة.