انكسر جموح إدارة بوش لفرض هيمنتها علي المنطقة بعد المأزق الحالي في العراق وأفغانستان وتراجعها في لبنان وانعدام دورها في عملية السلام الشرق أوسطية. هزيمة بوش عكسها فوز الديمقراطيين في الانتخابات النصفية بالكونجرس وهو الفوز الذي كان دلالة علي فشل سياسة بوش والتصويت ضد حربه في العراق. نمر من ورق كان تقرير بيكر هاملتون بمثابة هزيمة أخري لسياسة بوش وهي الهزيمة التي زعزعت رغبته العارمة في تنفيذ مشروعه الامبراطوري ليجد الرجل نفسه أمام طريق مسدود بعد ان تقلصت إمكاناته وظهر كنمر من ورق. ولم يثنه ذلك عن سياسته العقيمة فأمعن في عناده وتشبثه بالبقاء في أرض الرافدين، لم يلق بالاً إلي الوضع المتدهور في العراق وغاب عنه ان الوقت يضيق وان عليه التحرك بسرعة منعا لتفاقم الوضع أكثر وأكثر. لغة الممانعة غير أن بوش ليس الملام وحده بل يُلام أيضا أعضاء الكونجرس السابق بسبب عدم قيامهم بدورهم كمراقبين علي السياسات العسكرية للإدارة الأمريكية. أما اليوم فلقد تغيرت المعادلة. جاء الكونجرس الذي استخدم معه لغة الممانعة بعد ان هيمن عليه الديمقراطيون. ومن ثم عارض ارسال قوات إضافية إلي العراق وطرح مشروع قانون يحظر علي بوش ضرب إيران دون الرجوع إليه والحصول علي تفويض بذلك. أراد الكونجرس الجديد لجم جموح بوش بعد أن ظهرت مؤشرات تدل علي ان إدارة بوش ربما كانت بصدد الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران ويأتي علي رأس ذلك ارسال حاملة طائرات ثانية إلي الخليج ونصب صواريخ باتريوت وتصريحات "جيتس" وزير الدفاع الأمريكي الجديد الذي كان مقتنعا بالحوار عندما كان عضوا في لجنة بيكر هاملتون ولكنه بعد ان تسلم منصبه كوزير للدفاع تغير 180 درجة فلم يعد مقتنعا بالحوار وبات همه الأساسي إظهار أمريكا بوصفها القوة الجبارة عسكريا رغم المستنقع العراقي. إيران مستهدفة الكونجرس اليوم يحاول منع بوش من الإقدام علي مغامرة جديدة خاصة وان العمل العسكري ضد إيران سيكون من أجل تغيير النظام ولا يمكن إلا ان يتوقع الجميع إذا ما حدث ذلك ان يكون لإيران ردة فعل مؤثرة نظرا لما تملكه من عناصر للردع، فهي لن تقف مكتوفة اليدين وستنطلق سهامها صوب القوات الأمريكية سواء تلك المتمركزة في العراق أو في القواعد العسكرية بدول الخليج. هل شارف بوش علي النهاية؟ لا شك أن فوز الديمقراطيين شكل هزيمة فعلية لبوش الذي حاول أن يتستر علي ضعفه باظهار القوة واتخاذ إجراءات توحي بأنه مازال الرئيس القوي القادر علي إدارة الدفة. ولا أدل علي ذلك من الانتقاد الحاد اللاذع الذي وجهه إليه مؤخرا "المالكي" رئيس الوزراء العراقي في سابقة تعد الأولي من نوعها عندما وصفه بالضعف وانه فقد السيطرة علي الوضع، وان إدارته وليست الحكومة العراقية هي التي شارفت علي النهاية. وهي ردة فعل جاءت انعكاسا لانعدام الثقة بينهما بعد ان تحول تحالفهما من التحالف الوثيق إلي تحالف المضطر، ومما زاد الموقف الأمريكي ضعفا ظهور البيت الأبيض وكأنه يؤثر الابقاء علي شعرة معاوية مع حكومة المالكي ومن ثم لم ينحو منحي تصعيديا وإنما سارع فقلل من أهمية الانتقادات وأكد ثقته بالمالكي في تطبيق الاستراتيجية الجديدة..! خيار المواجهة مع إيران..؟ كان من الطبيعي مع إدارة أمريكية ضعيفة ألا تتمكن من تنحية نوري المالكي وإلا كان ذلك بمثابة إعلان لنهاية العملية السياسية في العراق وعندئذ كان سيتعين علي الاحتلال اختيار حكومة جديدة وهو أمر صعب للغاية وسط الظروف الحالية التي انعكست علي بوش فبدا خائفا من انهيار استراتيجيته الجديدة ولذلك حشد لها دعما إقليميا تمثل في سعيه للحصول علي تأييد دول محور الاعتدال وهي مصر والأردن ودول الخليج الست. وفي نفس الوقت تطلع إلي ان يساعده أداء المالكي داخل العراق في انجاحها لاسيما أن استراتيجية بوش انطلقت من فرضية أساسية ترتكز علي ان نجاحها يعتمد علي ما قد يوفره نوري المالكي من عوامل تساعد علي نجاحها مثل نزع سلاح الميليشيات ووأد فرق الموت والقضاء علي الطائفية التي استشرت وحولت العراق معها إلي ساحة من الانفلات الأمني والفوضي العارمة. وبالتالي يظل نجاح استراتيجية بوش اليوم رهنا بوفاء المالكي للالتزامات التي تعهد بها. ويظل خيار إدارة بوش الجديد خيار مواجهة يستهدف احتواء إيران.. ولن يقدم بوش علي الخيار العسكري مع إيران إلا إذا استقر الوضع كلية في العراق بشكل يمهد له الأرضية للانطلاق نحو الخصم الإيراني.