إحدي المؤسسات الصحفية الكبري بعثت بخطابات الي حوالي 56 من كبار الكتاب والصحفيين العاملين بها من الذين تخطوا سن المعاش تخطرهم بأن المؤسسة لا تنوي تجديد تعاقداتهم التي تنتهي العام الحالي علي أن يكون التعامل معهم بنظام القطعة! والقرار الروتيني الصادر عن المؤسسة الصحفية يعني ببساطة أن علي هؤلاء الكتاب والصحفيين إخلاء مكاتبهم والرحيل عن المؤسسة ومن أراد أن يساهم بالكتابة فليرسل مقاله وان نشر تقاضي عنه اجرا وإن لم ينشر فعليه ان يرسل غيره عل وعسي..! وهي صيغة في رأينا غير لائقة وغير مقبولة في التعامل مع هذه الخبرات والأسماء التي أفني معظمها عمره في داخل المؤسسات الصحفية والتي تعتبر بالنسبة للكثيرين من الصحفيين بمثابة بيت آخر ومكان مفضل للعمل والحياة ايضا! ولا نفهم كيف يمكن لأية مؤسسة صحفية التفريط بسهولة في خبرات وكفاءات لن يتم تعويضها بسهولة وتمثل رصيدا حضاريا وفكريا ومهنيا في عالم الصحافة!! ان البعض قد يدفع في ذلك بانه لابد من منح الفرصة للشباب لان يحصلوا علي فرصتهم كاملة في العمل الصحفي بجميع أشكاله وهو قول لا غبار عليه ولا خلاف حوله، ولكن هذا لا يعني القضاء علي أجيال اعطت هذه المهنة بلا حدود وتركت عليها بصماتها الواضحة وكان لكتاباتها وتحليلاتها الاثر الكبير فيما وصلت اليه الصحافة من مكانة تأثيرية في المجتمع. فالواقع اننا في حاجة الي هؤلاء الاساتذة للاستفادة منهم داخل المؤسسات الصحفية في ضبط الايقاع وتدريب جيل الشبان والحد من اندفاعهم حيث بات ملحوظا ان هناك من الجيل الجديد علي الساحة الصحفية من تتجاوز طموحاتهم امكانياتهم ومن ضربوا بكل التقاليد والاخلاقيات عرض الحائط وانطلقوا في سباق محموم لتحقيق اكبر استفادة مادية ممكنة بأية طريقة وعلي أي مستوي. ولكننا ايضا نوجه اللوم لبعض هؤلاء الكبار الذين عجزوا عن استيعاب متغيرات العصر وسياساته ولم يطوروا أفكارهم وكتاباتهم بمزيد من الاطلاع والقراءة والبحث فجاءت كتاباتهم طوال الفترة الماضية عقيمة رتيبة خالية من الافكار والابداع فلم تحقق الفائدة المرجوة ولم تدفع مؤسساتهم الصحفية الي الابقاء عليهم والمحافظة علي تواجدهم داخلها. وفي هذا رسالة لكل صحفي وكاتب بأن هذه المهنة القاسية تستلزم بذل جهد اكبر لاستمرار التواجد فيها وهو جهد يتعلق بمواصلة البحث والتعلم والمشاركة الفعالة في الحوارات والندوات للتزود بكل جديد في الفكر والعلم والسياسة ليظل الكاتب او الصحفي مؤهلا دائما لكل مرحلة ومتعايشا معها. ان الكاتب الناجح لا يعيش علي ذكريات الماضي واطلاله وانما يقدم كل يوم جديدا ويحاول دائما ان يبني مستقبلا افضل من الماضي وهو مستقبل لا يرتبط بفترة عمرية معينة ولا بسن محددة للتقاعد فالكاتب لا يتوقف قلمه عن الكتابة حتي الأنفاس الأخيرة من حياته، فالكتابة ليست حرفة وليست اداء للواجب فالكتابة هي ترجمة لانفعالات عقلية تخرج في شكل ابداع وافكار وآراء لتعبر عن ثقافة وشخصية صاحبها، الكتابة هي عزف منفرد لاجتذاب جمهور متعدد الأذواق والثقافات ويبحث احيانا عن المستحيل..!