حين يلجأ الناس إلي شركات توظيف الأموال من جديد بعد كل ما عانته أكثر من 84 ألف أسرة مصرية خلال السنوات العشرين الماضية أودعت فيها ملياري جنيه في أكبر قضية نصب في تاريخ مصر.. لابد أن تسأل الحكومة نفسها لماذا؟ حين يودع متعلمون وكبار موظفين وأصحاب أعمال وعاملون بالخارج "تحويشة العمر" مرة أخري لدي شركات الربيع والفرسان أو لأفراد مثل دياب في حلوان وغيره في الاسكندرية ودمياط.. لابد ألا ينام القائمون علي الجهاز المصرفي المصري ويسألوا أنفسهم: لماذا؟ هل فقط لأن المواطن المصري "طماع" كما يحاول البعض التبرير، أم أن هناك خللا ما في المنظومة الاقتصادية؟ الغريب أننا هنا لا نتكلم فقط عن إيداعات بسيطة ولكن عن مئات الألوف وأحيانا ملايين لكل مودع.. وجهت سؤالي لسيدة بسيطة تنتمي إلي ما أظنه بالطبقة المتوسطة فأجابت: وكيف أعيش.. لقد ترك لي زوجي خمسين ألف جنيه إضافة إلي معاشي الشهري.. كيف تتوقعين أن أعيش بفائدة بنكية 8%؟ كما أنني أخاف من البورصة ولا أقدر علي المغامرة، أما هؤلاء فهم يقدمون فائدة 20% وأكثر وليسوا جميعا لصوصا كما تصورهم الدولة فبعضهم "يعرفون ربنا".. "الدولة لا تعرف أحوالنا.. ولا تعرف ربنا".. هكذا قالت! حاولت جاهدة مناقشتها لكنني لم أقدر علي تقديم حل حقيقي يقنعها.. بأن الدولة تعرف أحوالها و"أحيانا" تعرف ربنا، واكتفيت بتخويفها من أن الأموال قد تضيع كلها في تلك الشركات.. لكن المشكلة الأساسية هي "كيف تعيش"، وقفت أنا نفسي حائرة في إجابتها. فما بين أهمية خفض الفائدة لدفع الاستثمار وبين ارتفاع التضخم تبقي علامات الاستفهام.. وحتي يستيقظ البنك المركزي من سباته العميق ويبدأ التفكير في قضية التضخم أو الإصلاح المصرفي الحقيقي تبقي الحقيقة واضحة.. فالأوعية الادخارية في مصارفنا ضعيفة جدا وغير جاذبة، خاصة للمستثمر أو المودع الصغير.. بل إن المصيبة الأكبر هي أن تلك المصارف المكتظة بالسيولة لا تستخدم تلك الأموال للتمويل "تمويل القطاع الخاص في مصر بلغت نسبته 11% طبقا لاحصاءات البنك الدولي العام الماضي" بل تكتفي بشرائها أذون خزانة أو سندات اَمنة.. يعني لا أحد يريد أن يعمل.. لا في جذب المدخرات ولا في تشغيلها.. ثم نعود ونتساءل: لماذا يذهبون إلي شركات توظيف الأموال؟ فإذا فقدنا الأمل أو كدنا في البنوك فإن الاستثمار في البورصة يبدو لكثيرين كمغارة علي بابا.. يحلمون باقتحامها لكنهم يخافون من ظلمتها.. وتحتاج صناديق الاستثمار إلي بذل جهود أكبر لجذب أموال البسطاء بدلا من التركيز فقط علي الاستثمارات الضخمة. وحتي تدب الحياة في التمويل العقاري فإن الاستثمار في العقارات يبقي حكرا علي القادرين فقط.. رغم أنه من أهم أوجه الاستثمار في العالم.. فإن تعنت إجراءات التسجيل وغياب التمويل العقاري تجعله مخاطرة للكثيرين. كيف يعيش الناس، وفيم يستثمرون أموالهم؟ أسئلة يجب أن نسألها لأنفسنا أولا قبل أن نلوم البسطاء ونتهمهم بالطمع والجشع وغير ذلك.. أما تلك الشركات فهي تظهر حين نقصر في أداء دورنا.. وتنتعش حين نتراجع.. وهذه هي سنة الحياة.. هناك دائما من يملأ الفراغ. نقطة فاصلة: سواء رضيت عنه السلطة فأبقته في مجلس حقوق الإنسان أو غضبت عليه فأزاحته.. فإن د. أحمد كمال أبو المجد لا ينتظر كلمة عليا كي نعرف قدره.. فرجل القانون والسياسة والدستور كان هو المدافع الأول عن حقوق الإنسان في مصر طيلة السنوات الثلاث الماضية.. واجه كثيرا واصطدم كثيرا وناور أيضا كأي رجل سياسة. لكنه وهو الأهم لم يتراجع.. مهما كانت الهجمة شرسة عليه.. بقي كما عرفته.. وكما احترمته.. لا يستمد اسمه من منصب ولكن من كلمة حق.