أذكر في بداية تولي الدكتور حاتم الجبلي وزارة الصحة دار بيننا حوار حول الإصلاح داخل الوزارة فقال بالحرف الواحد إنه يحتاج ما لا يقل عن ثماني سنوات ليستطيع الجزم بأنه علي الطريق الصحيح لإصلاح وضع الصحة ومؤسساتها! الغريب أن الوزير الجديد اَنذاك كان هو المبادر بالحديث عن الوضع المتردي لوزارة الصحة ومستشفياتها، بل حتي عن الفساد المتعشش، وكان متحمسا للغاية وأكثر حدة وهجوما في نقده لتلك الأوضاع من الكثير من الصحفيين الذين تناولوا هذه القضايا.. وهو في نقده حريص علي الشفافية ويتفق مع كل من ينادي "بنفضة" لتطهير الوزارة التي غرقت في الفساد علي حساب صحة المواطن، والأهم من ذلك كله أنه كان يبدو صاحب خطة وفكر إداري وطبي. وبعد هذه المدة التي قضاها الجبلي في الوزارة لم أشعر أنه بدأ بشكل حقيقي وجاد تلك "النفضة"، وإنما يتصدي لهذه القضية أو لغيرها بمناسبة طرحها علي الرأي العام، مثلما فعل بإحالة قضية العبادي رئيس هيئة المصل واللقاح إلي النيابة في السابق. وأرجح أن الجبلي يتبني تكتيكا معينا في قضايا الفساد التي يعرفها جيدا باعتباره طبيبا أولا، وكان ملما بما يجري داخل دواليب الوزارة وفي المستشفيات العامة ثانيا، بحيث يشكل رد فعل ولا يبادر لمهاجمة جحور الفساد إلا إذا جاءه ملف من هذا القبيل مكتمل الأركان ومحاربوه جاهزون لكشفه وفضحه إلي اَخر شوط. أقول ذلك وأنا أتابع موقف وزير الصحة من قضية قرب الدم بمصنع هايدلينا لصاحبها النائب هاني سرور الذي سيدلي بأقواله حولها غدا أمام النيابة، والحقيقة أن موقف الجبلي يشوبه التناقض، وإن كنت أصدقه تماما عندما يؤكد أنه لا وجود للقرب الملوثة في مستشفيات وزارة الصحة وليس لدي دليل إلا استفتاء قلبي علي صدقه. أما بالنسبة للقضية نفسها فإني بصراحة أشتم رائحة كريهة لصراع، أطرافه من الكبار وضحاياه من الصغار. وقد قمت بتحقيق شخصي وسألت العديد من الأطباء المختصين في الدم، وفي جراحة الكلي، والباطنة، كما سألت سياسيين وأعضاء مجلس شعب أثق فيهم جميعا واستقرت لدي بعض الحقائق والقناعة الخاصة بما يلي: أولا: قرب الدم موضوع الاتهام يشوبها بعض العيوب الفنية، وأن بعضها غير صالح للاستخدام حيث إن المواد المانعة للتجلط غير فعالة، إضافة إلي أن سن الإبرة تسبب ألما للمتبرع، لكن من استطلاع الرأي الذي قمت به في عدة مراكز، بعيدة عن شبهة المصالح مع د. هاني سرور، فإنه لا توجد حالة واحدة ثبت أنها أصيبت بالتسمم، أو بالتلوث، أو اشتباه بأي مرض اَخر من جراء الاستعمال. ثانيا: أجمع العديد ممن تحدثت معهم علي أن تلك القرب علي كفاءة وفاعلية خاصة إذا قورنت بأسعارها التي تقل إلي النصف مقارنة بالقرب المستوردة.. وهذا الفارق هو في صالح المرضي الفقراء الذين سيدفعون الفروق في السعر وسيتحملون أعباء إضافية في حالة توقف المنتج المحلي. ثالثا: لاحظت وعلي الفور وجود عينات لقرب الدم المستوردة معروضة علي بعض مراكز الكلي الخاصة، رغم أن القضية الخاصة بمصنع هايدلينا مازالت في طور التحقيق، مما يعني أن المنافس الأجنبي، وهي شركات مستلزمات طبية عملاقة ولها وزن ثقيل في العالم، كانت بالمرصاد لاقتحام السوق المصري، بل ستكون علي أتم الاستعداد للحصول علي مناقصات وزارة الصحة. وبالتالي فهي أكبر مستفيد من هذه الأزمة، وغير مستبعد أنها تحرك السوق المصري، وربما تحرك ذلك الصراع والحرب ضد هاني سرور ومصنعه.. وإن كان ليس لدي دليل واحد علي تورطها في إسقاط هذا المنافس.. ونحن نري أمثلة لتلك الحروب التجارية في أوروبا وأمريكا تشهد رحاها المحاكم هناك يوميا تقريبا. رابعا: هذا لا يعني أن الدكتور هاني سرور بريء تماما وهنا لا أتحدث عن الشق الجنائي بل من الواضح أن هناك أخطاء صغيرة تسببت في أخطاء كبيرة.. والأخطر فيما يهم الرأي العام أن هذا النائب يبيع للحكومة، وهناك شبهة استغلال عضويته سواء داخل الحزب الوطني أو في مجلس الشعب لتسيير "البيزنس" الخاص به.. وقد يكون يفعل ذلك من قبل دخوله المجلس، لكن ممارساته الحالية التي تعنينا الاَن منافية لأحكام الدستور. ولابد أن نفتح هذا الملف الشائك مرة وبشكل حقيقي، لأنه غير خاف علي أحد استخدام النواب لنفوذهم لتحقيق مصالحهم.. والقائمة طويلة ونعرفها بالاسم. خامسا: أثق في كلام الدكتور حمدي السيد، كما أثق وبنفس الدرجة في تأكيداته أن قرب الدم أو فلاتر الغسيل الكلوي ليست ملوثة وأنها اَمنة علي صحة المواطن. وفي المقابل كل سوابق النائب حيدر بغدادي تجعلني لا أثق تمام الثقة في اتهاماته.. فهو النائب نفسه الذي غير موقفه في قضية عمر افندي بعد أن فاز برئاسة إحدي الشركات.. وهو الذي غير موقفه السياسي وانضم إلي الحزب الوطني بعد أن كان مع الناصري.. وهذه الأمور كلها لا تريحني في سعيي للبحث عن الحقيقة. ورغم أني لا أعرف هاني سرور شخصيا، فإن هناك العديد من علامات الاستفهام والشبهات المفضوحة في تصرفاته مثل مساعيه لدي وزير الصحة في نقل د. فاتن مفتاح مديرة المركز القومي للدم من موقعها، والعلاقة "الطيبة جدا والحميمة!" مع الدكتور ناصر رسمي رئيس القطاع الطبي بوزارة الصحة والمشرف علي المناقصات، وأمين الحزب الوطني في دائرة الظاهر، نفس دائرة النائب سرور. هذه الأسئلة وغيرها تثير المزيد من الشكوك حول مدي أحقية سرور بالحصول علي تلك الصفقات ورسو مناقصات وزارة الصحة عليه.. حتي لو كانت سليمة مائة بالمائة ولا تسبب أي تلوث أو أي أمراض أخري.