لعبة سخيفة نراها منذ فترة طويلة تؤديها بمهارة وإتقان إسرائيل من جهة وعلي الجانب الآخر العرب يلعبون نفس اللعبة ولكن علي العكس.. فلا مهارة.. ولا إتقان.. واللعبة اسمها لعبة الدمار وإعادة الإعمار.. وهي لعبة قديمة عمرها الآن حوالي خمسين سنة، إسرائيل تؤدي دور المدمر والعرب يلعبون دور المعمر..! هكذا بدأت اللعبة في عام 1948 وفي 1956 كان حجم الدمار وقتها صغيراً وصار يكبر.. ويكبر إلي أن أصبح كبيرا جداً في سنة 1967 بعد أن هاجمت الطائرات الإسرائيلية وجيش إسرائيل شبه جزيرة سيناء واستولت عليها وحولتها إلي رماد ودخان ونجح جيش العدو الإسرائيلي في احتلال الجولان وجزء من لبنان وفرض شروطاً تعجيزية لإحلال السلام الذي مازال لم يتحقق..! والدمار قد تم تحجيمه بعد حرب رمضان المجيدة التي انتصر فيها الجيش المصري الباسل في عام 1973.. وبعدها.. وعلي أثر النصر العظيم استطاعت مصر استرجاع كل سيناء، وفي عام 1982 اجتاحت لبنان بالكامل.. وانسحبت منها بعد فرض شروطها ومن بينها طرد الفلسطينيين من لبنان ثم قامت بتدمير فلسطين ومازالت حتي يومنا هذا. ثم اكتملت صورة الدمار الشامل في مطلع القرن الواحد والعشرين، أثناء الحرب الأخيرة التي خطط لها الرئيس الأمريكي جورج بوش من مكتبه في البيت الأبيض، ونفذها صديقه الحميم إيهود أولمرت من البيت الأسود..!! وقامت إسرائيل في الصيف الماضي بتدمير لبنان دمارا شاملا وخربت الديار والوديان وتحولت المراعي إلي جحيم والحقول إلي تراب.. ومزارع الكروم إلي هشيم.. وأصبح لبنان كله خرابا وأطلالا يثير في النفس النزعة إلي البكاء..! أما العرب، كما فعلوا ذلك في السنوات السابقة، فقد ناموا طويلا، ولما استيقظوا علي الخراب قالوا: لا بأس سوف نبدأ في إعادة الإعمار، حتي لو كلفنا ذلك المليار دولار أو حتي عشرين مليارا.. لا يهم، فالأموال موجودة وما المانع فوزراء الخارجية العرب يجتمعون في القاهرة في أي وقت، بعيدا عن أطلال بيروت، يتناقشون.. ويضحكون، ويفكرون ويمرحون.. يصفقون أحيانا ويصوتون أحيانا أخري، وفي بعض المرات كانوا ينامون داخل قاعة الاجتماعات المكيفة، ينتظرون الأوامر من القادة والرؤساء التي تأتيهم عبر المحمول أو بواسطة الفاكس، تحدد لكل واحد منهم دوره وما هو مسموح به سواء في انتقاد أمريكا أو إسرائيل.. لأن السياسة في نظرهم لعبة.. والحكام العرب يدركون قواعد اللعبة أكثر من الوزراء.. لذا عليهم ألا ينساقوا وراء حماس اللحظة وينسوا مسئولياتهم في إعادة الإعمار، بغض النظر عن أصل الدمار. اللعبة كما قلنا قديمة، إسرائيل تدمر فلسطين والعراق وسوريا ولبنان، والعرب يبنون ما دمرته إسرائيل وتقتل الناس في غزة وقانا وكفر شويا.. والعرب يدفنون موتاهم وإسرائيل تدمر المسالك وتهدم القناطر والطرق والبيوت.. وتحرق المزارع، والعرب يقومون بدور الإطفائي يخمدون الحرائق ويضمدون الجراح..! إنها لعبة قديمة كما قلت.. اعتاد علي ممارستها وزراء الخارجية العرب..! وهم في انتظار أن تتحرك الآلة العسكرية الإسرائيلية مرة أخري، تتولي مهمة التدمير في أية دولة عربية ونحن علينا مهمة التعمير..! هل نستطيع أن نقترح بأن ينضم إلي وزراء الخارجية العرب خبراء في الهندسة وخصوصا في إعادة الإعمار وإصلاح البيوت المهدمة وإلي جانبهم خبراء في الشئون المالية لتقدير تكلفة الإعمار..! ويمكن أن يتولي من له علاقة بإسرائيل الاتصال بها لتخبر العرب بحجم الدمار الذي سوف يلحق بالدولة التي ستدمر لنعرف مسبقا تكلفة الإعمار وإدراج المبالغ الضرورية في الموازنة وتكون تحت بند يسمي إعادة الإعمار.. ولا يهمنا التكاليف لأن إيرادات الدول البترولية في العام الأخير سببت لها مشكلات ضخمة نظرا للفوائض المالية العالية التي تحققت لهم من أسعار النفط التي ارتفعت بشكل لم يكن متوقعا.. ولذلك، فيجب علينا ألا نحزن من إنفاقنا علي إعادة الإعمار في البلاد التي تنوي إسرائيل تدميرها.. وإذا كان الخجل يمنعنا من الاتصال بإسرائيل، فلا بأس من الاتصال بحبيبة إسرائيل وأمها الرؤوم، أقصد ماما أمريكا، فهي ماما إسرائيل.. وماما العالم كله..! ربنا يخليها..!