السينما عندنا كلها "زهايمر".. وفي طريقها للضياع إذا لم يحاول المسئولون علاجها وبأقصي سرعة.. أين وعود وزارة الثقافة ووزارة الإعلام بحقنة الإنقاذ؟.. وأين علاج المحافظات ببناء دور العرض لكي تمتص هوايات الشباب وطاقاتهم الفنية. حتي لو أدي إلي فتح قصور الثقافة لأفلام السوق؟!! أما ما يفرح حقيقة فهو هذا الكم من الجوائز التي تحصل عليها أفلامنا وفنانونا هنا وهناك.. ومهما اختلفنا حولها. فالسينما مازالت هي الوحيدة القادرة علي التعامل مع العالم. بل ومع العرب خصوصا بحب وبلا أية حساسيات.. واسألوا كرة القدم!! فيلم "زهايمر" للمخرج عمرو عرفة الذي يعرض له في نفس الوقت "ابن القنصل" وهو ما يعني انه مطلوب في هذه المرحلة. وكما بان أثره علي تطوير أداء أحمد السقا. بان بنفس القدر أثره علي عودة عادل إمام إلي الأداء المتزن القريب إلي سنه ومرحلته العمرية الحالية.. وما "الزهايمر" إلا حالة فنية تساعد أي ممثل صاحب خبرة طويلة علي الاستمتاع بالأداء الأخاذ. واستعادة حيوية التمثيل بعيدا عن الشخصيات النمطية "المتقولبة" التي كان عادل إمام بالذات قد غرق فيها في أفلامه الأخيرة.. وكان لابد من إيجاد نص مغاير. والتفتيش عن شخصية تخلق له مساحة للتعبير بعمق المشاعر وصدقها! ومع ذلك.. تكمن اللعبة المزدوجة في شخصية الثري محمود شعيب التي لعبها عادل إمام. حيث انه يستيقظ ذات يوم في إضاءة نهارية معبرة ليجد نفسه فاقداً للذاكرة. أو هكذا أوهمه كل من حوله: الممرضة مني "نيللي كريم" والشغالة "إيمان السيد" وحتي الجنايني "محمد الصاوي" والغفير "ضياء الميرغني". الكل يتآمر عليه لإقناعه بحالة "الزهايمر" التي يعيشها.. وذلك لحساب ولديه سامح "فتحي عبدالوهاب" وكريم "أحمد رزق" وزوجته المتسلطة "رانيا يوسف" حتي يقيمون عليه دعوي للاستيلاء علي ثروته لتسديد قروض البنوك التي بددوها. اللعبة إلي هذا الحد محبوكة ولكن سيناريو نادر صلاح الدين يأبي أن يستمر عندما تنكشف اللعبة. ويجيء الاكتشاف متوافقا مع مزاج عادل إمام القديم. في التلاعب بالنكتة والإفيه. فمرة يستمر بنفس الإتقان. وأخري يخرج عن السياق من أجل الإضحاك حتي يسهل كشف لعبته.. وهو ما يتناقص بوضوح مع تصرف يلعبه علي الأولاد ويريد له الغطاء المناسب.. ولكنه الكوميديان الزعيم الذي لا يدخر وقتاً أمام الشاشة به مواقف تراجيدية مستمرة. دون فودفيل يرطب عن جمهوره!! ورغم ضعف الجزء الثاني من الفيلم وخاصة في مشاهد لبنان كلها والتي بدت زائدة علي الحد.. وتذكرنا بأفلام السبعينيات السياحية.. إلا أن الهدف كان واضحاً أكثر بتتابع الأحداث وتأمل حجم الكارثة بها.. أو علي رأي عادل إمام: "المصيبة انهم ولادي. ربتهم وكبرتهم. وفي الآخر يعملوا في أبوهم كده"!! وهي مرثية واضحة لمدي جحود الأبناء في زمن يلهث الجميع وراء المادة. دون مراعاة للمشاعر الإنسانية. وخاصة الأب. حيث الاعتقاد الخاطئ بقدسية الأم فقط. بينما الوالدان مرتبطان بحسن المعاملة والرعاية بأمر الرب بدليل قوله تعالي: "فلا تقل لهما أفي ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً". من أجمل مشاهد الفيلم مشهد النهاية حيث الأمل في الأطفال بعدما فسد الشباب بالعولمة.. وكذا لقاء صديقه سعيد صالح الذي يعالج في المستشفيات من الزهايمر. انه بكي بحرقة علي حال صديقه وعلي نفسه.. وكأنه يقول "سلام يا صاحبي" علي هذا الزمن المرشوش ليس بالزهايمر وحده.. ولكن بمبيد "الأنانية" قوي المفعول!! [email protected]